كشف مركز الخليج لسياسات التنمية أخيراً عبر دراسة مقتضبة حول الوضع في منطقة الخليج العربي عن وصول الدول الخليجية، وخصوصاً السعودية والإمارات والبحرين وعُمان، إلى وضع «حرج» في التعاطي مع ملفاتها الداخلية والخارجية، وأكد المركز أن حكومات هذه الدول الأربع فضلت الاعتماد بشكل متصاعد على «الخيارات الأمنية» دون غيرها، إلا أن أكاديميين رفضوا هذا الطرح معتبرين أن الدراسات التي ولدت بعد «عاصفة الحزم» جاءت للتقليل من نجاح الدور الخليجي المواجه للسياسات الإيرانية في المنطقة، ووصف رئيس جامعة الإمارات الدكتور علي النعيمي أهداف هذه الدراسة ب«المشبوهة». وعلى رغم أن الدراسة صدرت من مركز خليجي ومقره الكويت إلا أنها، انتقدت الوضع في الخليج، معتبرة وجود «تطبيعاً محتملاً وقادماً مع إسرائيل في الشأن الاقتصادي على الأقل» إلا أن المراقبين أكدوا أن الأهداف لهذه الدراسة والغرض منها «غير واضح». ويقول رئيس جامعة الإمارات الدكتور علي النعيمي، إن «مثل هذه الدراسات غير واضحة، ولا تخدم المنطقة ولا أهدافها»، وأكد أنه بالنسبة لبلاده الإمارات «فلو كانت المعالجة الأمنية هي الخيار الأول للملفات الداخلية، كما أشارت الدراسة، فلم نكن رأينا التنمية المتحققة التي نعيشها حالياً، ولا أي استثمارات أجنبية قدمت إلى الإمارات». وأضاف النعيمي مدافعاًً عن فكرته «الحقيقة أن دول الخليج معالجتها لكل الملفات «هي معالجة شمولية ويبرهن على ذلك، النمو المتحقق في التنمية الداخلية بالدول الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) ومن ناحية الدور الإقليمي على مستوى الطاقة لدول الخليج، فإن دخول المملكة مجموعة ال20 لم يكن من خلال وضع أمني، وإنما جاء من استقرار تعيشه وتنعم فيه، إضافة إلى دورها الديبلوماسي وقوتها في المنطقة». وأكد أن «مثل هذه الدراسات لديها أهداف وأجندة مغرضة، ولا شك في أن المملكة بعد اتخاذها قرار عاصفة الحزم فهذا أمر أغاض الكثيرين، وخرجت الأفاعي من كل الأماكن للإساءة للمملكة، والمملكة اليوم تقوم بدور إنقاذ شامل للمنطقة، وسينعكس ذلك قريباً على مختلف الملفات». ولفت رئيس جامعة الإمارات إلى أن «السعودية والإمارات والبحرين هي من تواجه بحزم التدخلات الإيرانية، والتي تسعى (هذه التدخلات) إلى الإخلال بالمنطقة برمتها»، مضيفاً: «الشعب الإيراني مضطهد ويعاني من فقر في معظم حاجاته، والأقليات في هذه البلاد هي من يدفع الثمن في المشانق والسجون الممتلئة، ولكن في الدول الخليجية الثلاث، هناك نموذج تنموي راقي وشعب ينعم بالوحدة الوطنية». ويلمس النعيمي تفاؤلاً كبيراً قادم في منطقة الخليج: «نحن متفائلون في المستقبل الخليجي على كل الأصعدة، وتبني السعودية ل«عاصفة الحزم» وما تلاها، أعاد بناء المنظومة الإقليمية من جديد، وأصبحت مصالحنا تديرها قيادتنا بنفسها، ونحن مقبلون على مرحلة جديدة، تغيرت فيها قواعد اللعبة، وأصبحت مصلحة المنطقة هي الأساس، ولا يمكن أن نقيس ما قبل عاصفة الحزم بما بعدها». وكان المركز أشار في دراسته عن أحوال الخليج الجديد، إلى أن «الأوضاع في دول مثل السعودية والإمارات والبحرين وصلت إلى مرحلة حرجة. بدأت تعتمد فيها الحكومات بشكل متصاعد على الخيارات الأمنية، في مواجهة مشكلات متصاعدة على الجانب السياسي، مقترنة بصعوبات اقتصادية تدل على عدم استدامة النمط التنموي الحالي». ورأت الدراسة أن «الخيار الأمني مازال يشكل الاستراتيجية المتبعة في الإماراتوعمان والبحرين والسعودية، ولوحظ أيضاً تصاعد وتيرته في الكويت»، وأشارت إلى أنه «على المستوى الإقليمي، تفجر الأوضاع على كل حدود دول المجلس، سواء أكانت في سورية أو العراق أو اليمن، والعلاقة العدائية المتبادلة مع إيران، يؤكد بأن التعاطي الأمني هو الخيار السائد». وذكرت أنه بالنسبة للحال الاقتصادية لدول المجلس فإنه بات من الصعب «أن تستمر دول المجلس على النهج الحالي نفسه في نفقات الموازنة، واستهلاك النفط والنمو السكاني، خصوصاً في ظل الارتفاع المستمر في المصروفات الحكومية وتذبذب أسعار النفط في الأسواق العالمية، وفي حال استمرار معدلات النمو الحالية نفسها، فستتخطى أسعار برميل النفط المطلوبة لمعادلة موازنات دول المجلس حاجز 200 دولار أميركي، وهذا أمر غير مستدام». وركزت الدراسة التي جاءت بعنوان «الثابت والمتحول 2015: الخليج والآخر»، على تحليل علاقات مجتمعات الخليج مع الأطراف الفاعلة في تحديد مصيرها، سواء أكانت في الداخل، كالعلاقة مع الوافدين، أم في الخارج، بما فيها دول الجوار والقوى الغربية، وعلق مدير مركز الخليج لسياسات التنمية عمر الشهابي قائلاً: «أصبح هذا الموضوع ملحاً اليوم، ولاسيما أن الخليج والعالم العربي الأوسع يتعاطى مع مرحلة متفجرة سياسياً في ظل تصاعد وتيرة التغيّرات داخلياً وفي المحيط الأوسع، ما يحتم فهم طبيعة العلاقات بين مجتمعات الخليج والقوى الفاعلة الأخرى في هذه المرحلة». وضم الإصدار ملفاً معمقاً حول العلاقة التاريخية ما بين دول المجلس واليمن، وذكر أن العلاقة بينهما شهدت تقلبات متعددة، لتكون العلاقة معادية له بعد فترة زمنية قصيرة. وخلق هذا الاحتقان حالاً من المد والجزر بين دول الخليج واليمن عموماً، ما يجعل الوصول إلى حل شامل أمراً معقداً. وأوضح أنه رصد حالات التطبيع مع الكيان الصهيوني في دول المجلس، في محاولة لإعادة البوصلة نحو القضية المحورية في العالم العربي «فلسطين»، إذ وجدت الدراسة أن هناك بوادر مقلقة للتطبيع على المستوى الرسمي والاقتصادي. من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في الكويت الدكتور عايد المناع، «إن القول بأن الوضع في الخليج كله على ما يرام ليس صحيحاً»، وأضاف: «هناك موجة من العنف والتطرف تضرب المنطقة ولا بد من إعادة النظر في حل المشكلات». ولخص المناع خلال حديثه إلى «الحياة» أبرز مشكلة تواجه الدول الخليجية، التدخلات الإيرانية، وقال: «إيران تريد أن تعبر عبر جسر الدين إلى مناطق معينة، بكل تأكيد إيران دولة طائفية على رغم إدعائها الإسلامي، ولديها حلم الإمبراطورية الفارسية، ولديها قوة متماسكة جداً، وبالمواجهة ليس لدينا إلا السعودية، ونحن متأكدون بأن «عاصفة الحزم» أعادت الهيبة للوطن العربي وحرمت إيران من الاستيلاء على عاصمة عربية رابعة بعد بغداد ودمشق وبيروت». ودعا مجلس التعاون إلى توحيد كلمتها «لمواجهة ذلك (...) عُمان ينبغي أن تنفتح على دول الخليج». إلى ذلك، يقول الباحث وعضو مجلس الشورى السعودي الدكتور فايز الشهري في دراسة حديثه له تناولت الوضع الداخلي والخارجي لدول مجلس التعاون الخليج، إن دول المجلس «بسياساتها المرنة استطاعت في السنوات الصعبة عربياً من 2010 إلى 2014 أن تتجنب كثيراً من المنعطفات الحادة، وانعكس ذلك على مؤشرات مستويات السلامة العامة ومعدلات الجريمة في هذه الدول مقارنة ببقية الدول العربية التي عصفتها الموجة الأمنية». وأضاف: «الفرص الكبرى لنجاح برامج الإصلاح هي أن مجتمعات الخليج تعد الأولى من أقل المجتمعات العربية إنتاجاً لكيانات الصراع حول السلطة، وأكثرها استقراراً من الناحية السياسية وتتشابه في ذلك مع أنظمة عربية ملكية برزت في مؤشرات السلام العالمي في مقدم الدول العربية الأكثر سلاماً في الداخل، ويكشف ذلك مؤتمر السلام العالمي في 2014، إذ جاءت الدول العربية التي احتلت المراكز السبعة الأولى من حيث السلام الداخلي والاستقرار، وهي على التوالي: قطروالكويتوالإمارات والأردن وعُمان والمغرب والسعودية».