يشكو الشباب غالباً من ضآلة حضورهم في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية التي لا تفرد لهم مساحات كافية للتعبير عن آرائهم ومشاكلهم وقضاياهم وطموحاتهم. ويبدو ان الأممالمتحدة تنبهت باكراً لسد هذا الفراغ الإعلامي وأنشأت لهذه الغاية «راديو الشباب الدولي» الذي سرعان ما مهد لولادة إذاعات محلية يطل منها الشباب على بعضهم بعضاً فيتواصلون ويتحاورون ويتبادلون الأفكار في كل ما يجرى حولهم وما يتعلق بحاضرهم ومستقبلهم. ففي كندا كان صوت الشباب يقتصر بادئ الأمر على الإذاعات المدرسية التي لا يتعدى أثيرها مدى الحرم التعليمي ويقتصر البث فيها على الشؤون المدرسية الداخلية كتبليغ القرارات الإدارية والرسمية للطلاب او التذكير بمواعيد الامتحانات الفصلية والسنوية او تنظيم الاحتفالات في الأعياد والمناسبات. وعلى رغم محدودية دورها وتأثيرها، الا انها كانت دافعاً لإنشاء «راديو الطفل» في مونتريال ومن ثم «راديو الشباب» الذي أصبح بحد ذاته مؤسسة إعلامية مستقلة ومركزاً للتدريب وإعداد الكوادر الفنية من خريجي المعاهد والجامعات. ويتألف الراديو من استوديو مجهز بأحدث تقنيات البث والإرسال وتغطي موجاته القصيرة معظم مناطق مونتريال وضواحيها ويضم أرشيفه الفني مكتبة الكترونية غنية بشتى أنواع الأغاني والمقطوعات الموسيقية. ويتولى الشباب الذين يتناوبون على فترات البث (تبدأ من السابعة صباحاً وتنتهي في الثانية عشرة ليلاً) تحضير كل مستلزمات العمل الإذاعي في الاستوديو وإعداد الفقرات والتأكد من سلامة التسجيلات وهندسة الصوت وغيرها، بمعنى ان الشباب هم الذين يتولون إدارة الراديو والتحرير والبث وإجراء المقابلات داخل الاستوديو وخارجه ما عدا الإشراف الفني والتقني. أما فقرات البرامج فتشتمل على العديد من النشاطات الثقافية والفنية والترفيهية والموسيقية والرياضية وأحوال الطقس اليومية، في حين ان قضايا الشباب الجوهرية والمطلبية وغيرها من الملفات الشائكة كالتصدي لمشكلات العمل والبطالة والبيئة والشؤون الطالبية والتربوية والتمييز العنصري وحقوق الإنسان، تناقش ضمن حلقات تتسم بالجدية والنقاش الحر الذي يستند الى استطلاعات الرأي والاحصاءات الموثقة وغالباً ما تصل خلاصة هذه القضايا الى مسامع المسؤولين. وفي مطلع العام الحالي أجرى راديو الشباب استطلاعاً للرأي شمل 968 شاباً من الجنسين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 سنة، وأظهر ان نسبة المستمعين اليه بشكل يومي تجاوزت 86 في المئة. وفي فترات الصباح 88 في المئة والمساء 92 في المئة و نهاية الأسبوع 94 في المئة. اما البرامج المفضلة فتوزعت على الموسيقى بنسبة 81 في المئة وأخبار الطقس والطرقات 79 في المئة والسينما والمسرح 66 في المئة والبرامج الترفيهية والرياضية 64 في المئة والقضايا والمقابلات والبرامح الحوارية 61 في المئة. ويقول ستيفان مانو المسؤول عن إعداد البرامج ان الإحصاء أظهر أن الإقبال على راديو الشباب «يفوق على ما يخصص لهم في مختلف الوسائل الإعلامية الأخرى بما يزيد عن 90 في المئة». ويجمع المتطوعون في راديو الشباب الكندي على ان العمل الإذاعي «فن ومتعة ومسؤولية». فالطالبة الجامعية جانيت بودوان (20 سنة) تتحدث عن تجربتها وتقول: «أكثر ما كان يخيفني هو الحديث خلف الميكروفون. وأعترف بأن له رهبة وهو المعيار الأول والأخير للنجاح». وخلافاً لهذا الرأي ، يقول ماك لامي (19 سنة): «الميكروفون هو صديقي الوحيد الذي يرافقني في جولاتي خارج الاستوديو. ويوفر لي فرص النجاح في ما أجريه من مقابلات شخصية في الشوارع والأحياء. وهو بالتالي عنصر جذب يتهافت عليه المارة للإدلاء بآرائهم والبوح بما يختزنون من مشاعر». أما مدير الراديو ميكاييل ديلروم فيقوم تجربة الشباب الإعلامية بقوله انهم «يعرفون جيداً عدالة القضايا التي يطرحونها عبر الأثير، ويدافعون عنها بجرأة وشجاعة، فلا تربكهم الحوارات الساخنة مع المسؤولين ولا ترهبهم سطوة الأحزاب وقياداتها»، مشيراً الى ان راديو الشباب يستوعب كل عام عشرات المتطوعين، ويعمل على تدريبهم وتزويدهم بالمهارات الصحافية والخبرات المهنية الحديثة على امل ان يشكلوا في المستقبل نواة لجيل اذاعي جديد.