أثارت أخيراً قضية إنتاج الجيل الجديد من سيارات كليو في مصنع بورسه التركي جدلاً واسعاً بلغ أروقة قصر الأليزيه، لا سيما أن الدولة الفرنسية مساهمة في الشركة، وحريصة على ديمومة المصانع على أراضيها، وتوفير فرص عمل لمواطنيها بدلاً من تقليصها وخشية إقفال هذه المعامل لاحقاً، في حين يسعى الصانع الفرنسي قبل أي شيء الى التنافسية من خلال خفض تكاليف الإنتاج، وهي أقل بنحو 10 في المئة في تركيا (1400 يورو). وأبلغ رئيس مجلس إدارة مجموعة رينو كارلوس غصن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن إنتاج رينو كليو 4 المقرر بدءاً من 2013، سيتوزّع على مصانع عدة منها مصنع فلين في فرنسا، على عكس ما أشيع وتردد، علماً أن إنتاج كليو عام 2009 بلغ 125400 وحدة في فرنسا و179500 وحدة في تركيا و25450 وحدة في إسبانيا. ويؤمن مصنع فلين 4300 وظيفة حالياً في مقابل 6700 وظيفة عام 1998. وتُنتج طرز من رينو في مصنع بورسه (غرب)، المدينة التركية المطلة على بحر مرمرة، والذي يعتبر منصة استراتيجية للصانع الفرنسي. وهو تأسس عام 1969 بالشراكة مع «اوياك»، الذراع الصناعية القوية للجيش التركي. ويعمل فيه حالياً 5900 شخص. واستفاد مصنع بورسه من استثمارات خلال عامي 2007 و2008 لتطويره ورفع طاقة إنتاجه إلى 360 ألف وحدة سنوياً، علماً أن 277572 وحدة «خرجت» منه العام الماضي. وتتصدر رينو لائحة مبيعات السيارات السياحية في السوق التركية، متقدمة على فورد، كما أنها المصدّر الأول من الإنتاج المحلي في الأشهر التسعة الأولى من عام 2009. ومنذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، يصنّع في بورسه طراز Fluence الذي سيخلف ميغان، والهدف المقبل إنتاج 100 ألف وحدة منه، ما يؤمّن حاجة السوق التركية وجزءاً من طلبات التصدير إلى 80 بلداً. وبلغت تكاليف خط الإنتاج 100 مليون يورو، كما يرتقب إنفاق نحو 50 مليوناً إضافية لخط إنتاج الفئة الكهربائية بدءاً من الفصل الأول من عام 2011. حتى أواخر عام 1990، كان إنتاج السيارات المجمّعة في تركيا يغطّي حاجة السوق المحلية فقط، لكن منذ دخول أنقرة اتفاقات السوق الأوروبية ومعاهداتها، أضحت تركيا منصة تصدير نحو القارة العجوز، ومنها تصدّر رينو ثلاثة أرباع طلبات عملائها. وتشمل صناعة السيارات في تركيا خطوط إنتاج لرينو وفورد وفيات (توروس) وهيونداي وهوندا، فضلاً عن آلاف التجهيزات المكملة. وبناء عليه، يؤمن هذا القطاع الحيوي 250 ألف فرصة عمل، فأضحى رائداً في حقل الصناعة التركية. وعلى رغم تراجعه العام الماضي بنسبة 32 في المئة قياساً إلى 2008 جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، احتلت صادراته المركز الثاني خلف قطاع النسيج. وتتميز صناعة السيارات وخطوط تجميعها في تركيا بعوامل جذب عدة، منها الموقع الجغرافي للبلاد الذي يسهّل التوزيع نحو أوروبا وبلدان المغرب العربي والشرق الأوسط، وتدنّي كلفة اليد العاملة (أجر الساعة الواحدة بدءاً من 1.76 يورو في مقابل 0.86 يورو في المغرب، غير أن المهارة التركية تتفوق)، ما يجعل السيارات «تورك مالي» أي «صنعت في تركيا» تحظى بالرواج. وفي تقويم خبير، تعادل نوعية الإنتاج التركي مثيلتها في فرنسا، بل تتفوق عليها أحياناً.