لم يقرب برنامج تلفزيوني في لبنان على الأرجح مسألة الحرب اللبنانية كما فعلت الإعلامية هيام أبو شديد في الحلقة الأخيرة من برنامجها «وأنا كمان» على محطة «أم تي في». فالإعلام اللبناني والعربي وكل من اقترب من مسألة الحرب اللبنانية التي وضعت أوزارها منذ عام 1989، أفرد مساحات واسعة وساعات من البرامج والبث لمناقشة الحرب بكل جوانبها، باستثناء جانب واحد قليلاً ما دنت منه وسيلة إعلامية، هو الجانب الغنائي. وهذا الجانب الغنائي ليس غناءً بالمعنى الوطني، بل هو غناء سياسي وحربي أيضاً بامتياز. هذا ما أنتجته الحلقة الأخيرة من برنامج «وأنا كمان» الذي بدا من عنوانها أنها لا تقصد هذا الجانب، إذ أطلق عنوان للحلقة «الأغنية الملتزمة». لكن الضيوف الذين اختيروا بعناية من نجوم تلك الأغنية، تعود أعمالهم «الملتزمة» إلى فترة الحرب، وهم الفنانون: أحمد قعبور، خالد الهبر، باسكال صقر، والكاتب عبيدو باشا. فقعبور والهبر وباشا كانوا رفاقاً في «الحركة الوطنية» والأحزاب المنضوية في إطارها في زمن الحرب اللبنانية، وهي أحزاب يسارية مؤيدة للمقاومة الفلسطينية. أما صقر فهي ابنة مؤسس حزب «حراس الأرز» اتيان صقر، وجزء من «القوات اللبنانية» التي كانت معارضة للمقاومة الفلسطينية وخاضت معها حروباً في لبنان. تحدث الضيوف الأربعة في البرنامج عن تجاربهم ومسيراتهم في مجال الفن تلحيناً وغناءً، بما يخدم قضاياهم. وتبين من خلال الحوار الهادئ والرصين والزاخر بالمواقف الهادئة والمثقفة، أن لهم جميعاً قضية واحدة غلّفت في زمن الحرب بقضيتين. والقضية هي لبنان. وكل دافع، بصوته ولحنه، عن لبنانه وفق رؤية فريقه. وإذا كان المتحاورون اتفقوا لفظاً على وحدة القضية، فإن البرنامج بدا عاجزاً عن تبديل قناعاتهم برؤاهم، على رغم مرور السنوات والمتغيرات. فكل واحد من الضيوف بدا متمسكاً بإعجاب بتجربة فريقه وبإيمانه بأحقية خياراته. ورغم كل شيء يبقى ما قدّمه البرنامج نموذجاً جميلاً من الحوار الذي يفسح فيه لكل طرف أن يعرض وجهة نظره ويرسلها إلى المشاهدين من دون خطابية أو إملاء... ناهيك عن المتعة المتأتية من الإصغاء الذي ينعكس علماً ومعرفة بتجارب حقيقية وحقب زمنية تحتاج إلى إعلام رزين يوثقها ويجعل الشاشات الأخرى تحذو حذوه بدلاً من فتح الهواء لسخافات مؤذية.