يبدو أن للبث التلفزيوني الفضائي مستويات، لا يمكن التغاضي عنها أو المرور فوقها مرور الكرام. اذ يتحول بعضها إلى شرك تقني يمكن أن يوقع هذه الفضائية أو تلك في فخ الأسئلة والملاحظات، ما يسبب لها ارباكات أمام جمهورها. وهذا يدفع بها إلى الهرب إلى أمام لتحاشي مثل هذه المطبات، فيلاحظ أن الكثير من برامجها التي لا ينطبق عليها معيار الجودة تدفع بها إلى ساعات متأخرة من الليل، تكاد تلاقي تباشير الصباح الأولى. ففي هذا الوقت – كما يخيل لبعض القائمين على مثل هذه الفضائيات – تتراجع نسبة المشاهدين إلى أقل من الثلث، ما يحمّل المحطة الفضائية المعنية عبء ملء الفراغ والساعات المتبقية أمامها لبدء نهار بث جديد مع ما هو متوفر لديها من الأشرطة الجيدة الصالحة للاستخدام في بعض ساعات الذروة الدرامية. طبعاً نسوق هذا الكلام، ونحن نتابع عمل بعض هذه الفضائيات «الفقيرة»، المتورطة في بث 24 ساعة على 24 من دون الأخذ بعين الاعتبار أن فضائيات كثيرة أخذت تتنازل الآن عن البث الرقمي لحساب منظومة متطورة وأعلى، هي منظومة «هاي دفنشن»... ما يجعل بعض الفضائيات يقع في «حيص بيص» كما يقال، فلا هي قادرة على مجاراة هذا النوع من البث المكلف، ولا هي معنية بالتالي بأخذ يد مشاهدها نحو «الصورة التي لم تعد ترحم» لشدة نقاوتها وصفائها. وهو أمر أصبح واقعاً لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه. فالتطور التقني الهائل في منظومات البث الفضائي لا ترحم... وهي أخذت تفرض نفسها أمراً واقعاً، ما جعل منظومات أخرى «متقدمة» تتراخى وتتراجع لحساب كل ماهو جديد ومفاجئ في هذا المجال. فضائية فلسطين بحكم ظروفها الصعبة التي تعيشها تنتمي للفضائيات «الفقيرة». وهذا أمر لا شك فيه، ويكفيها أنها تدفع بالعلم الفلسطيني عالياً في الفضاء حتى نقول إنها من حيث المبدأ أحسنت عملا. ولكن مهلا، فنحن نريد للصورة أيضاً طوال ساعات البث أن تكون لامعة وصافية ومبهجة للعين، لا أن تكون مشوشة تماماً وحائلة وناصلة اللون كما حدث أخيراً مع برنامج «خلق الانسان»، وهو ينتمي لساعات الفجر الأولى لجهة توقيت بثه. كانت النسخة المعدة للعرض في وضع تقني بائس. والواضح أن القائمين على عرضه لم يعملوا جيداً على معاينة الشريط، وهو هنا غالباً ما يكون قد استنسخ عن شريط «في أتش إس»، وهي نوعية انقرضت تماماً من الأسواق ولم يعد يحفل بها حتى الهواة. ليست دعوة للتخلص من ساعات البث الاضطرارية التي تلجأ إليها فضائية فلسطين في حومتها المالية والادارية في ساعات متأخرة من الليل كي تملأ وقتاً مفروضاً عليها أن تغطيه ما أمكنها في شروط سيئة ولتعلن أنها موجودة... بل هي محاولة للقول إن هذه الفضائية يمكنها أن تجاري شروط البث الفضائي الصعبة وتعقيداته، وهي الشروط الشبيهة نوعاً ما بظروف وشروط وتعقيدات القضية ذاتها.