التأمل الأول: تخيل أيها الشاب - مجرد تخيل - أنك بلغت الأربعين من العمر، فماذا يا ترى ستحتاج؟ أسمح لي أن أجيب عنك، ولك الحرية في أن تجيب عن هذا السؤال في ما بعد وحدك، في الغالب ستحتاج سيارة جديدة، وهي حلم كل شخص، وبيتاً ولو كان صغيراً، لأنه ربما عهد الفلل الكبيرة قد ولى، مع التقدم الفكري لدى المجتمع، وستحتاج زوجة ومبلغاً ولو متوسطاً في البنك للحاجة، حتى لا تحتاج الناس، أنك لا تريد مركزاً مرموقاً وقيمة أدبية بين الناس، بل تريد أن تعيش عيشة عادية. التأمل الثاني: لا تنس أن تفكر أيضاً ولكن من أين لك هذا الذي طلبته مع أنه مطلب عادي يطلبه كل شخص، فأنت لم تطلب أشياء كبيرة ولا تريد أن تكون ثرياً أو مليونيراً.. أنا أؤيدك مئة في المئة لأنها مطالب معقولة.. التأمل الثالث: بالطبع سيكون الجواب صعباً، لأن ذلك يحتاج إلى الكثير من العلم والمبادرة والجهد والكد والصبر ومرور المزيد من السنين. التأمل الرابع: تخيل هذه المرة أنك ذهبت إلى الطبيب لأنك تعاني من مرض أتعبك سنوات عدة.. فوصف لك الطبيب دواء طعمه مثل العلقم، ولا يوجد بديل منه ويفترض أن تشربه كل يوم مرات إذا كنت تريد الشفاء، والشفاء من الله في النهاية، ولكنك مجبور على شرب هذا الدواء.. التأمل الخامس: هل ستشرب هذا الدواء العلقمي الطعم أم لا؟ سأجيب عنك، ستشربه ولا تقول لي لن أشربه لأن البديل هو المزيد من المرض وربما الوفاة، لا قدر الله، وبالتالي سوف لن تتحقق لديك أية مطالب كنت قد تخيلتها سابقاً (السيارة والبيت.. إلخ). التأمل السادس: كل ما ذكرناه من مرض ودكتور ودواء طعمه مر جداً جداً هو تلك الأيام العصيبة التي تمر بها من تحصيل علمي ودراسة واختبارات، فإن أحسنت التصرف فيها نلت كل ما تريد وأكثر، وإن تقاعست فيها وسوفتها وأخرتها وتماديت في لعبة البيلوت والكرة والربع والتفحيط ومعاشرة رفاق السوء فلن تنال أي شيء أبداً، وخصوصاً الأخيرة. وستظل على هامش الحياة، يمر عليك كل زملائك وأنت واقف لا تدري ماذا تعمل، تشتهي الخمسة ريالات حتى تأكل فيها، وهذا حدث مع كل الشباب. أرجو أن تمر عزيزي الشاب بكل هذه التخيلات والتأملات، ففي عمر الأربعين على الأقل لا بد أن يكون راتبك 20 ألفاً من الريالات، وهذا ليس بصعب، ولا تلتفت إلى من يقول إنه في المستقبل ستشح وتتناقص بل وتنعدم الوظائف، فهذا غير صحيح على الإطلاق، في ظل النهضة المباركة التي ستشهدها بلادنا، والتقدم المضطرد، ثم أفرض أن ذلك، حصل لا سمح الله، أو جزء منه، لبعض الوقت، لأسباب اقتصادية عالمية تمر بها كل دول العالم، فمهما عملت في أي عمل فالمتعلم له قيمته واحترامه، ويأخذ فرصته في يوم من الأيام لا محالة، بإخلاصه في عمله وحبه له، ولكل نصيب، ويكفي لو جلست في مجلس وعرفوا أنك ذا علم وإطلاع، ستلاحظ تهافت الناس عليك وحبهم لحديثك، ألا يساوي هذا ملك الدنيا كلها؟