اتفق قانونيون سعوديون على أن العقوبات التي ستصدرها لجنة تقصي الحقائق في حق المتورطين في كارثة سيول جدة لن تخرج عن العقوبات التعزيرية كالسجن والجلد، وكف اليد عن العمل، فضلاً عن مصادرة الأموال المستولى عليها، والتي نمت من أصل مال الحكومة، مؤكدين أن إتخام عقوبة القصاص في صلب أحكام القضية، سيعود لثبوت الإهمال المرتكب في العمل الذي أفضى إلى التسبب في وقوع هذه الكارثة، وشددوا على حق الدولة استرداد أموالها التي بنت ثروات، لأن ما بني على باطل يعد في أصل القانون والأحكام باطلاً. وتوقع القانوني والاستشاري في إدارة القانون عبدالعزيز النقلي ل «الحياة» أن لا تخرج عقوبات المتورطين في كارثة سيول جدة عن السجن والجلد، وكف اليد عن العمل، إضافةً إلى مصادرة الأموال المستولى عليها، مشيراً إلى أن عقوبة التشهير بالأشخاص المتورطين تظل واردةً في سياق الأحكام المتوقعة، مؤكداً أنها غير جديدة على تاريخ القضاء السعودي. وأكد اختلاف المخالفات الإدارية عن الجنائية، لافتاً إلى أن الموظف يعاقب إدارياً حال مخالفته لضوابط العمل الذي يعمل فيه، إما بالفصل أو الإنذار، أو الحسم من المرتب. ولكنها إذا ما انتقلت إلى المخالفات الجنائية فإنها تدخل ضمن اختصاصات الجهة المسؤولة العليا، وهي المخولة في اتخاذ العقوبة المفروضة، مؤكداً أن الجناية في الوظيفة بالنسبة للموظف تكمن في خروجه عن ما هو مقرر له إما بالتعدي أو الإهمال. وقال: «إذا تجاوز الموظف في أي إدارة أو قطاع حكومي في عمله ووصل إلى مرحلة ارتكاب الخطأ الجسيم، المؤدي إلى إيقاع الضرر بالناس، فإن العقوبة هنا تصبح جنائية، وتضاف إلى العقوبة الإدارية، وقانوناً إذا وقع الموظف في مخالفتين إدارية وأخرى جنائية، فإنه يعاقب جنائياً أولاً، وتتبعها بعد ذلك العقوبات الإدارية، كون الجنائية أشد وأقسى من نظيرتها». وشدد على عدم وجود نصوص واعتبارات تمنع التشهير بالمتورطين، ملمحاً إلى أن المسؤول عن الإدارة يجب أن يدير العمل وفق طريقة صحيحة، ويعتبر إهماله في عمله تعدياً على حقوق الآخرين، ما يؤكد أن هناك إهمالاً وتقصيراً وتعدياً يوجب معه التشهير بالموظف الذي يرتكب هذه الأخطاء. وأوضح أن تاريخ القضاء السعودي حفل بالكثير من قضايا التشهير بالمتورطين في عدد من القضايا المختلفة، مشيراً إلى أن الجاني عندما يقتل ثم يصلب بعد قتله فهو يعد تشهيراً بحد ذاته للجاني، ومؤكداً أنه ليس هناك ما يمنع التشهير بالمتورطين في قضية كارثة سيول جدة الأخيرة. وعن مصادرة الأموال والثروات التي نشأت من المال العام، أكد أنه يحق للحكومة ملاحقة أي موظف حتى بعد تركه لوظيفته، يشتبه في سلبه أموالاً تعود ملكيتها لها، أو أخرى خصصت ل« مشاريع ذات مصلحة عامة» من دون وجه حق، مشدداً على أنه مهما كبرت الثروات أو علت فإنه يحق للحكومة سحبها جميعاً، كون أصلها في الأساس باطلاً، وما بني على باطل فهو في أصل الأمر باطل. مع ترك الحكم في النهاية لتقدير القضاء. من جانبه، استبعد القانوني والمحامي خالد أبو راشد أن تصل العقوبات المدرجة في كارثة سيول جدة إلى عقوبة القصاص، نظراً لعدم استيفائها شروط القتل العمد، وقال ل «الحياة» «وإن كان الأمر من اختصاص القضاء فإنني أستبعد فرضية أن تصل أحكام المتورطين في الكارثة إلى القصاص، نظراً لعدم توافر نية القصد أو العمد»، موضحاً أن القصاص عقوبة، ولا عقوبة من دون جريمة، ولكي تتوافر عناصر الجريمة لا بد من توافر شرط العمد، وهو ما لا يتوافر مباشرةً في قضية كارثة سيول جدة قانونياً. وأضاف «إن كان الأمر سيصل إلى حد إتخام عقوبة القصاص في صلب أحكام القضية، فإن ذلك الأمر يعود إلى حد الإهمال المرتكب في العمل الذي أفضى إلى التسبب في وقوع هذه الكارثة»، مشيراً إلى أن هذا التحديد بعينه يعود إلى القضاء كونها مسألة حساسة جداً. وعن نوعية الأحكام، أوضح أنها تعود إلى لجنة تقصي الحقائق، وبحسب دورها المناط بها، فإن كان دورها يقف عند التحقيق وتقديم المتهمين إلى القضاء، فالوضع يصبح مختلفاً وتناط مهمته إلى القضاء لإصدار الأحكام النهائية، وإن كانت ستضطلع بهذا الدور فإن الأمر سيترتب عليه إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المتورطين في القضية. وعن العقوبات المتوقع صدورها ضد المتورطين، أوضح أنها ستكون وفق التهم الموجهة ولائحة الإدعاء العام، وقال «هناك احتمالات عدة للتهم الموجهة، تقابلها في المقام الآخر احتمالات للعقوبات التي ستصدر ضد المتهمين»، مضيفاً أن التهم ستتمركز حول «إهدار المال العام، واختلاس أموال الحكومة، وخيانة الأمانة» بينما لن تزيد العقوبات على الفصل من العمل، ومصادرة الأموال، وبعض العقوبات التعزيرية، كالسجن والجلد وخلافهما.