في البداية، يجدر التذكير بالثورات الصناعيّة الثلاث التي عرفتها البشرية، وهي بدأت بالانتقال من الزراعة إلى الصناعة مع فترة الانتقال من الاقطاع إلى النظام الرأسمالي. ويُجمع المؤرخون والاقتصاديون على أن اختراع المحرك البخاري في إنكلترا عند أواخر القرن الثامن عشر، أذن للثورة الصناعيّة الأولى التي عمّت العالم شيئاً فشيئاً. وأعطى اختراع الكهرباء صفارة البداية للثورة الصناعيّة الثانية، فيما أطلق اختراع الحاسوب (الكومبيوتر) في القرن الماضي الثورة الصناعيّة الرقميّة، فكانت ثالث ثورة تخرج من القمقم. وينتظر العلماء والخبراء والعاملون في المجال الرقمي مواصلة تطوير الثورة الرقميّة، لإقامة دعائم صناعة نوعية جديدة تعتمد على فكرة جعل آلات الإنتاج أكثر استقلالاً وذكاء، عبر ربطها بشبكات من العقول الرقميّة. ولعله من الطبيعي أن يرغب المرء في اقتناء منتجات ذات جودة عالية ومفصلة على مذاقه ولا تستهلك الكثير من الطاقة، بل يمكن إعادة تدويرها، وتكون أسعارها في متناول اليد. قد تبدو تلك الأمنية غير قابلة للتحقيق، إلا أن الشركات الصناعيّة الألمانية المنضوية حالياً في تجمع الشركات الداعمة لإطلاق «الثورة الصناعيّة الرابعة» تنتظر في الأعوام العشرين المقبلة قيام ثورة في الإنتاج الصناعي، يصعب تقدير تأثيراتها على الأسعار وسوق العمالة. وتستند الثورة الصناعيّة الموعودة إلى شرائح إلكترونيّة صغيرة نسبيّاً يتضمن كل منها بنكاً من المعلومات عن السلع ومكوّناتها وطريقة صنعها، إلى جانب برنامج كامل لتنفيذ الانتاج آليّاً. وتربط الآلات المنتِجة بشبكات لنقل المعلومات من الشرائح إلى الآلات. إضافة إلى ذلك، تقدّم الشرائح الإلكترونيّة تصوّرات محدّدة عن طريقة التغليف والتعبئة، وكيفية نقل المنتج وإرساله إلى المستهلك الفردي، وفقاً لعنوانه. وبفضل تلك الشرائح الرقميّة، تمكن أيضاً معرفة موعد انتهاء صلاحية المنتَج، ومكان إعادة تدويره وطريقتها أيضاً. ولا يقتصر الربط بالإنترنت على المنتجات، بل يشمل الآلات والمصانع. وفي ذلك الصدد، تأتي فكرة توظيف الإنسان الآلي «الروبوت» كي يعمل جنباً إلى جنب مع البشر في مجال الانتاج الصناعي.