رفض السفير التركي في بيروت إينان أوزيلديز، القول إن بلاده غيرت موقفها من «داعش» بسبب استهدافها من التنظيم في الآونة الأخيرة، مشدداً على أن تركيا تواجه التنظيم منذ زمن. كما رفض الاتهامات التي وجهها إلى بلاده الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله وزعيم «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي» في سورية صالح مسلم، بأن أنقرة تستخدم «داعش»، لكنه علق على قول مسلم في حديث إلى «الحياة» إن النظام السوري فقد شرعيته وإنه رفض التعاون معه، بالقول: «نحن راضون لسماع هذا التحليل من مسلم». وأمل أوزيلديز، الذي يغادر لبنان بعدما أنهى زهاء 5 سنوات على رأس السفارة فيه، أن ينعكس الاتفاق على النووي مع إيران تقارباً في المنطقة. وأجرت «الحياة» حديثاً مع السفير أوزيلديز حول المستجدات في تركيا والأزمة السورية والتأزم السياسي في لبنان. وحول توقعاته من انعكاسات الاتفاق على النووي على الأزمة اللبنانية والشغور الرئاسي، قال: «الأزمة التي يقع فيها لبنان لها أبعاد إقليمية طبعاً، لكن نعتقد أن القادة اللبنانيين قادرون على مقاربة هذه الأزمة الدستورية من دون اللجوء إلى الأزمات الأخرى. إنها أزمة لبنانية في نهاية المطاف، وتتعلق بالفرقاء اللبنانيين، ونتمنى أن يجد لبنان مخرجاً لهذا المأزق المتصل بالشغور الرئاسي. لكنّ أي تقارب إقليمي بين اللاعبين الأساسيين له أثر إيجابي في ما يحصل في لبنان، من أجل إراحة الوضع. نأمل في أن يكون لهذا الاتفاق والتقارب في المنطقة انعكاس إيجابي على لبنان». وعما إذا كان إنهاء الشغور الرئاسي مرتبطاً بالأزمة السورية قال: «يجب ألا ننسى أن لبنان نجح في وضع مسافة والنأي بالنفس عن الأزمة السورية. وهذا كان مرضياً. النظام السياسي اللبناني عرف كيف يبتعد من الأزمة السورية. كان يمكن من دون مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية، أن نتصور مناخاً مختلفاً في لبنان، لكن على رغم ذلك فإن اللبنانيين في رأينا قادرون على إيجاد حل لمشكلة المؤسسات والدستور في لبنان. طبعاً لو لم تكن الأزمة السورية موجودة لما شهدنا بعض المشاكل في لبنان، لكني أشدد على نجاح السياسة اللبنانية، نسبياً، في البقاء على مسافة من الأزمة السورية، على رغم الحمل الكبير، بسبب وجود 1.7 مليون نازح في بلد صغير، ما حفظ الأمن والاستقرار في لبنان». نواجه «داعش» منذ البداية وعن التوقعات حول قيام منطقة آمنة أو حظر طيران شمال سورية انطلاقاً من حدودها مع تركيا بموافقة الولاياتالمتحدة الأميركية، قال أوزيلديز إن «تركيا اقترحت منذ بداية الأزمة السورية قيام مناطق آمنة لسببين، أولاً من أجل إنشاء منطقة لا يمكن الإرهابيين دخولها والاحتفاظ بوجود فيها، وثانياً لضمان أن يتمكن السكان من العيش فيها بأمان بعيداً من هجمات المنظمات الإرهابية وقوات النظام. في هذه الحال،يمكن أن نعمل على عودة جزء من النازحين السوريين الموجودين في تركيا. وبالنظر إلى التطورات الأخيرة، فإن تركيا باشرت تقوية إجراءات الأمن على الحدود مع سورية التي يبلغ طولها 910 كلم، وتنظيم عمليات عسكرية ضد مواقع «داعش» في سورية وحزب العمال الكردستاني (PKK) في العراق. إن الاتفاق الأخير بين تركياوالولاياتالمتحدة سيسمح بضمان تنسيق أفضل من أجل إنشاء منطقة آمنة». وإزاء اعتبار أطراف عدة موقفَ أنقرة ضد «داعش» جديداً، بعد أن قيل إن تركيا تستخدم التنظيم لأهداف محددة ضد الأكراد، وهل اتهام «داعش» بالمسؤولية عن تفجيرات سوروج هو سبب تغيير موقفكم من «داعش»؟ أجاب: «لا نقبل القول إن تركيا غيّرت سياستها حيال «داعش». تركيا تقاتل ضد «داعش» منذ البداية، وحتى حين لم تكن الدول الأخرى مدركة أخطار وجوده، أدركنا نحن هذه الأخطار وأعلنت تركيا «داعش» منظمة إرهابية رسمياً. ولا تنسوا أن تركيا كانت هدفاً منذ مدة. العام الماضي نظم «داعش» هجوماً على القنصلية التركية في الموصل وخطف 46 موظفاً منها. نحن نخوض مواجهة مع «داعش» في الداخل والخارج، كما أن تركيا عضو في الائتلاف الدولي ضد «داعش»، وكنا على تنسيق مع الولاياتالمتحدة في هذا. نحن على تعاون كامل مع الدول المعنية بعبور المقاتلين الأجانب من تركيا، الأوروبية وغيرها، في شأن مصدر هؤلاء المقاتلين، وقد أحكمنا الخناق والرقابة عند الحدود. تفجير سوروج في 20 تموز (يوليو) كان جباناً ومأسوياً، وذهب ضحيته 31 شخصاً. الشرطة أجرت تحقيقها وحددنا هوية الانتحاري في سرعة وضاعفنا المداهمات في 22 مدينة تركية لتوقيف المشتبه بهم من هذا التنظيم. الأسبوع الماضي هاجمنا مواقع ل «داعش» في شمال سورية». وعن اتهامين وجّها إلى تركيا قبل أيام بأن أنقرة تستخدم «داعش»، من الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، ومن رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي صالح مسلم، الذي قال ل «الحياة» إن «داعش» أداة تدمير تركية، قال السفير أوزيلديز: «لا نقبل هذه الاتهامات المبالغ فيها، يجب النظر الى الخطر الذي تواجهه تركيا، ويجب الفصل بين ملفي «داعش»، الذي هو نسبياً حديث، ومواجهة تركيا إرهاب حزب العمال الكردستاني (PKK) منذ أكثر من 30 سنة، وهو إرهاب خطير يهدد تركيا بلا توقف. الاتهامات بأن تركيا تستخدم «داعش» ضد إرهاب حزب العمال الكردستاني غير صحيحة، وسبق أن لفتنا نظر المجتمع الدولي وحلفائنا الى أن في شمال سورية أخطاراً عدة، «داعش» أحدها، والثاني هو تقوية وجود ال «PKK». أخذنا تدابير ليس ضد «داعش» فقط، بل ضد ال «PKK» وضد منظمات تركية أخرى، مثل حزب «DHKPC»، الذي هو منظمة يسارية خطيرة جداً وقامت بهجمات عدة في تركيا. هدف عملياتنا الأول في تركيا وخارجها كان حماية الديموقراطية في تركيا، لأنه بعد الانتخابات شهدنا هذه المحاولات من هذه التنظيمات لخلق الفوضى في البلد. إن تزامن هذه العمليات لا يعني أن الحكومة التركية تستفيد من وجود «داعش» لمواجهة حزب العمال الكردستاني، بل هي تقاتل ضد هذه التنظيمات الإرهابية في الوقت نفسه، نظراً إلى الظروف الموجودة في المنطقة». مصير النظام ومعاناة الأكراد وعن تزامن الاتهامات لتركيا مع حصول تسوية مع الولاياتالمتحدة قبلت فيها باعتبار «حزب العمال الكردستاني» إرهابياً مقابل قبول تركيا باستخدام قاعدة إنجرليك لقصف «داعش»، بعدما كانت رفضت ذلك، أجاب السفير أوزيلديز: «نحن رفعنا درجة هذه المواجهة، لكن هذا لا يعني أننا قبل اتفاقنا مع الأميركيين لم نكن نتعاون معهم. كنا نتعاون معهم ضد «داعش»، بعد هذا الاتفاق زدنا الإجراءات الأمنية ومستوى مشاركة تركيا في العمليات، مع الأخذ في الاعتبار اتساع الأخطار. مقاتلو «داعش» باتوا على بعد زهاء مئة متر من الحدود، ونرى ذلك على شاشات التلفزة التركية. إنها مسألة تتعلق برفع درجة الإجراءات. كما شددت تركيا على أن غياب السلطة في شمال سورية هو السبب الرئيس لخطر «داعش»، بمعنى أنه لإزالة تهديد «داعش» يجب الذهاب الى جوهر المشكلة، أي الوضع في سورية، ومن دون مقاربة الملف الأساس، أي مصير النظام في سورية، لا يمكن القيام بحملة فعالة ضد «داعش». هذه وجهة النظر التي كانت تركيا تشدد عليها منذ مدة مع حلفائها وشركائها». وقال رداً على سؤال، إن هناك «تفهماً وتحليلاً مشتركاً في هذا الخصوص مع الولاياتالمتحدة، وبداية هذا العام كنا باشرنا برنامج «تدريب وتجهيز» لإنشاء قوة موثوق بها في سورية. أعتقد أن قراءتنا تتطابق في هذا الصدد. الأميركيون يدركون جيداً أنه مع هذا النظام لا تمكننا معالجة كل المشاكل في سورية». وعن قول رئيس الحكومة داود أوغلو إن على «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي أن يأخذ موقفاً واضحاً من النظام السوري، فيما رفض رئيسه مسلم في حديثه إلى «الحياة» أي تعاون مع النظام الذي فقد شرعيته، معتبراً أن البعث هو سبب تدمير سورية، قال أوزيلديز: «هذا جيد، نحن موافقون على ما يقوله مسلم. وفي كل حال، فإن ما تقوله تركيا منذ بداية الأزمة السورية هو ضرورة نشوء معارضة موحدة وقوية، بما فيها الأكراد، لأنهم من بين المجموعات التي عانت أكثر في سورية. هم يعرفون فظاعات النظام. ووزير الخارجية في حينه داود أوغلو التقى المجموعات الكردية السورية، وتمنينا أن يساهم الأكراد في التغيير في سورية. أعتقد أن لديهم أيضاً هواجس أخرى، لكن نحن راضون أن نسمع من السيد صالح مسلم هذا التحليل». وعن قول مسلم إنه رفض نصيحة إيرانية بالتعاون مع النظام الإيراني، وكيف ترى تركيا التعاون بينها وبين إيران حول وضع الأكراد؟ قال: «لست على علم بتعاون مع تركيا في هذا المجال، لكن في كل الأحوال حين نتحدث عن المشكلة الكردية فإنها مختلفة في كل من البلدان الأربعة، أي العراق وسورية وتركياوإيران. لا يمكننا التحدث عن مشكلة كردية واحدة. في تركيا لدينا مشكلة إرهاب مثلاً، وسلطاتنا تتحرك لمحاربة الإرهاب. إن وحدة العراق وسورية وسيادتهما مهمتان جداً. تركيا تدعم وحدتهما، وتركيا تحاول معالجة مشكلة الإرهاب بطريقة ديموقراطية، عبر النظام الدستوري والبرلماني. وشاهدنا كيف أن انتخاب 7 حزيران (يونيو) كان مناسبة لمقاربة مشاكل الأكراد». إيران وخطر الفوضى السورية وعن فشل المفاوضات لحل سلمي مع حزب العمال الكردستاني، قال: «كانت هناك عملية للوصول إلى حل، بدأت عام 2005 عبر حوار مع ممثلي الأكراد في سورية، وهو مستمر، والحكومة كانت تتحدث الى ممثلي الأكراد في البرلمان، لكن كانت هناك موجبات من الجهتين لتحقيقها، منها وقف النار وتسليم الأسلحة وسحب قوات ال «PKK» من الأراضي التركية. للأسف، شاهدنا تصاعد نشاط ال «PKK» الإرهابي في تركيا، لا سيما بعد انتخابات 7 حزيران (يونيو). ورئيس الحكومة أعلن في 27 حزيران الماضي جردة بتهديد الأمن والنظام العام، إذ حصل بعد 7 حزيران 121 هجوماً عسكرياً، 15 عملية خطف، 16 عملية قطع طرق، حرق 59 آلية وسيارة، و281 عملاً إرهابياً قتل فيها 5 عناصر أمن وعمليات خطف وسقوط جرحى». وعن تصوره لانعكاسات الاتفاق النووي على أزمات المنطقة، قال أوزيلديز: تركيا اعتبرته خطوة الى الأمام وأمراً إيجابياً، وككل اتفاق فإن انعكاساته تتوقف على تطبيقه. إذا جرى التطبيق في شكل جيد فنحن متأكدون من أنه سيكون له تأثيرات إيجابية في كل المنطقة وفي العلاقات التركية - الإيرانية». وعن الخلاف بين إيرانوتركيا حول الملف السوري، قال: «هذا ملف آخر، لكننا على تواصل مع إيران حول الأزمة السورية. نتقاسم قلقنا مع الإيرانيين. وهم مدركون للأخطار في سورية. لكن الاتفاق النووي له أبعاد أخرى، لأنه اعتراف بحق إيران باكتساب قدرات نووية سلمية، ولأنه يرفع العقوبات عليها، ما سيكون له أثر إيجابي في العلاقات التجارية والاقتصادية التركية الإيرانية، وإيران ستكون منخرطة في شكل أفضل في المنطقة والمجتمع الدولي». وأضاف: «طبعاً هم يدعمون النظام السوري ولكن هذا لا يعني أنهم مدركون لما يجري في سورية. خيارهم الإستراتيجي مساندة النظام، لكن استمرار الفوضى في سورية ومناطق في العراق يأتي في غير مصلحة إيران على المديين المتوسط والبعيد. لا أحد تمكنه الإفادة من هذه الفوضى».