لم تمض بضعة ساعات على قرار المحكمة الجزائية الباريسية بتبرئة رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان من تهمة التواطؤ والتشهير في إطار قضية اللوائح المزورة لمؤسسة «كلير ستريم» المالية، حتى عادت الأمور الى نقطة البداية مع إعلان النيابة العامة عزمها على استئناف هذا الحكم. وبرر المدعي العام لدى المحكمة الجزائية جان كلود ماران قرار الاستئناف هذا بالقول إن «المحكمة لم تستخلص كل النتائج مما قيل أمامها» وأنه لا يزال هناك جزء من الحقيقة الذي «يتوجب كشفه». وأشار ماران الى أن المحاكمة الجديدة قد تبدأ في أواخر 2010 أو بداية 2011، مما يعني أن دوفيلبان الذي يعيش منذ نحو أربع سنوات تحت وطأة قضية «كلير ستريم» سيعود ليمثل مجدداً أمام القضاء بسببها الى جانب الاختصاصي في المعلوماتية عماد لحود ونائب الرئيس السابق لمجموعة «أو أ دي أس» جان لوي جير غوران اللذين قررا استئناف عقوبتي السجن اللتين صدرتا بحقهما بصفتهما المسؤولين عن تزوير اللوائح. وستبقى المواجهة الحاقدة مفتوحة بين دوفيلبان والرئيس نيكولا ساركوزي الذي أصر على رغم فوزه بالرئاسة على مقاضاة رئيس الحكومة السابق، باعتبار انه تعمد عدم البوح بكون اللوائح مزورة وأراد المساس بسمعة الرئيس الفرنسي الذي كان اسمه مدرجاً بين شخصيات فرنسية أخرى من أصحاب الحسابات المزعومة في الخارج. وعلى رغم البيان الذي صدر عن قصر الرئاسة وجاء فيه أن ساركوزي أخذ علماً بتبرئة دوفيلبان وانه لا يريد استئنافه، فان التصريحات الصادرة عن المسؤولين المقربين من الرئيس عكست مدى خيبة الأمل مما آلت إليه المحاكمة. وفي ضوء هذه التصريحات التي استغربت أن تقتصر الإدانة على المنفذين أي جيرغوران ولحود وألا «تطاول الذين أصدروا الأوامر»، بدا لافتاً أن يبادر المدعي العام للجوء الى الاستئناف، خصوصاً أنه خاضع لسلطة رئيس الجمهورية بموجب الدستور الفرنسي. وهذا ما عبر عنه بوضوح دوفيلبان في تصريح إذاعي أدلى به أمس، إذ قال: «إني أعرف جان كلود ماران (المدعي العام) بالقدر الكافي للقول بأنه ليس من اتخذ القرار بالاستئناف، بل انه صادر عن رجل هو نيكولا ساركوزي المصرّ على المضي في تجاهله وحقده». والواقع إن الاستئناف يحد من قدرة دوفيلبان على مزاولة نشاط سياسي عادي وربما الاستعداد لخوض معركة الانتخابات الرئاسية سنة 2012. لكنه في الوقت ذاته يحمل البعض على النظر الى دوفيلبان باعتباره ضحية وباعتباره عرضة لمحاولات قتالية تهدف الى إصابته بشلل سياسي نهائي. وهذا ما قد لا يلعب بالضرورة لمصلحة ساركوزي، خصوصاً أن التمادي في تصفية الحسابات الشخصية ليس على أدنى صلة بهموم الفرنسيين اليومية وقلقهم وهواجسهم.