عاش لبنان أمس لليوم الثاني تحت وطأة الصدمة المأسوية التي أصابته جراء فاجعة سقوط الطائرة الأثيوبية، على رغم عودة الشوارع الى حركتها بعد يوم الحداد الوطني أول من أمس، وانشغلت أجهزة الدولة اللبنانية بمساعدة خارجية بإجراءات البحث عن هيكل الطائرة التي سقطت في عمق البحر فجر الاثنين وعلى متنها 54 لبنانياً ولبنانية و22 إثيوبية و7 آخرين من جنسيات متعددة، وعن جثث الضحايا التي تردد ان معظمها بقي عالقاً داخل الطائرة، فيما استمرت جهود التعرف الى هوية الجثث ال18 التي انتُشلت نهار الاثنين من دون الإفادة عن انتشال جثث جديدة، سوى بعض الأشلاء. وسكن الحزن العميق، محيط مستشفى بيروت الحكومي حيث زاد الانتظار الطويل للتعرف على الجثث الموجودة، ولاكتشاف جثث جديدة من قبل ذوي الضحايا، من حال الوجوم إزاء هول الفاجعة فيما شيّع أمس جثمان الضحية الوحيدة التي تم التأكد من هويتها، حسن تاج الدين من بلدة حانويه الجنوبية. وسيطرت تداعيات الفاجعة والخطوات الرسمية المتخذة على البحث في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت مساء برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي تابع، وكذلك الأمر رئيس الحكومة سعد الحريري، إجراءات التفتيش عن هيكل الطائرة وما تبقى منه وصندوقها الأسود، وكذلك عن الجثث وعقدا خلوة قبل الجلسة لعرض آخر المعطيات. وأكدت قيادة الجيش اللبناني توسيع عمليات البحث في المنطقة التي يُعتقد ان الطائرة غرقت فيها بعد سقوطها، حيث تشارك سفينة عسكرية أميركية «مجهّزة بأعتدة متطورة مع مركب مدني متخصص بالإغاثة وصل من قبرص إضافة الى قطعتين بحريتين لقوات الأممالمتحدة والقوات البحرية والجوية اللبنانية والوحدات البرية. وأوضح بيان للجيش ان الجثث المنتشلة هي 14 إضافة الى أشلاء نُقلت الى المستشفى. وعلمت «الحياة» ان التنسيق بين قوى الإنقاذ أدى الى رسم حدود منطقة العمليات البحرية الممتدة من قبالة جسر الدامور (جنوببيروت) الى منطقة رأس بيروت في العاصمة، بعمق 10 كلم داخل البحر، وأقلت مروحية للجيش في الرابعة بعد ظهر امس الرئيس الحريري فوق منطقة العمليات، يرافقه وزراء الدفاع الياس المر والنقل غازي العريضي والداخلية زياد بارود وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الأمن اللواء أشرف ريفي وقائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير ومدير مخابرات الجيش العميد إدمون فاضل وقائد سلاح الجو العميد سمير معلولي، للاطلاع على عمليات البحث والإنقاذ. وهدف تحليق المسؤولين فوق منطقة العمليات، إلى معاينة كيفية تقسيم المنطقة كالآتي: - يتولى سلاح الجو والقوات البحرية في الجيش توفير الحراسة والحماية لفرق الإنقاذ ومراقبة ما يطفو على سطح المياه. - تكليف مغاوير البحر التابعين للجيش الغوص في محاذاة الشاطئ للتفتيش داخل النتوءات والمغاور والصخور بحثاً عما يمكن ان يكون قد علق فيها مما تناثر في المياه من الطائرة. - حتى عمق 5 كلم، ومن جسر الدامور حتى حدود المطار، تتولى السفينة القبرصية المخصصة للإغاثة استكشاف قعر البحر. ومن المطار حتى رأس بيروت، وبالعمق نفسه تتولى سفينة ألمانية تابعة لقوات «يونيفيل» سبر غور البحر. وتتولى السفينة الأميركية استكشاف البحر من حدود 5 كلم الى 10 كلم. وأفادت معلومات «الحياة» ان توزيع المهمات هذا تصب نتائجه في غرفة عمليات واحدة مشتركة عند التقاط أي معلومات. وأوضحت مصادر رسمية ان لا صحة للأنباء التي تحدثت خلال النهار عن اكتشاف موقع هيكل الطائرة. وقد نفى ذلك العريضي في تصريحات له ظهراً، كذلك المصادر الرسمية. وعثر رجال من فوج إطفاء بيروت على جزء من الجناح الأيسر للطائرة على شاطئ الرملة البيضاء في العاصمة، إضافة الى 3 مقاعد ومرحاض وبعض الأجزاء من مقصورة الركاب نقلت جميعها الى القاعدة العسكرية البحرية لمعاينتها وفحصها. وفيما واصل فريق التحقيق الأثيوبي اجتماعاته مع المعنيين، في انتظار العثور على الصندوق الأسود للطائرة، وصل الى بيروت امس عضوا مكتب التحقيق الفرنسي للمشاركة في الاستقصاءات يان بوليكان وإيمانويل دولبار. أما بالنسبة الى الجثث الموجودة في مستشفى بيروت الحكومي الذي غص بذوي الضحايا فقد امكن التعرف الى جثث طوني الياس الزاخم، حيدر حسن مرجي، أنيس صفا والطفلة جوليا الحاج والطفل محمد حسن كريك. لكن تسليم الجثث الى الأهالي ينتظر التأكد من فحوص «دي أن آي»، تفادياً لاحتمال أي خطأ كما سبق ان حصل أثناء فاجعة طائرة «كوتونو» قبل سنوات. وبالنسبة الى الجثث العائدة لأثيوبيات فإن آلية التعرف التي تنتظر أخذ عينات من الحمض النووي لذوي أصحابها. ووصل الى بيروت امس وفد كنسي أثيوبي، فيما زار الحريري القنصلية الأثيوبية معزياً. وأخذت عينات دماء من حوالى 40 عائلة لبنانية لإجراء فحوص الحمض النووي التي يتطلب ظهور نتائجها 72 ساعة كحد أدنى، وبعضها قد يبدأ بالظهور اليوم. وفي أديس أبابا، عقد المدير التنفيذي لشركة الخطوط الجوية الأثيوبية أتو جيرما ويك مؤتمراً صحافياً وتوقع ان يتم تحديد موقع الصندوق الأسود عاجلاً. وعلّق على قول الوزير العريضي إن قائد الطائرة «لم يستجب للطلب إليه من برج المراقبة في مطار رفيق الحريري التحليق في اتجاه معين ولا نعرف ماذا حصل لانقطاع الاتصال في انتظار العثور على الصندوق الأسود»، فقال ويك ان تعليقاته متسرعة، وكان العريضي نفى في شكل قاطع ان يكون وراء سقوط الطائرة أي عمل إرهابي، كما نفى ما تردد عن ان الطائرة انفجرت في الهواء قبل ان تسقط مستنداً بذلك الى «وقائع». وتلقى كبار المسؤولين اللبنانيين المزيد من برقيات التعزية بفاجعة الطائرة، ومساء أصدرت قيادة الجيش بياناً جاء فيه: «يتناقل بعض وسائل الإعلام اخباراً حول حادث الطائرة الأثيوبية المنكوبة، تفتقر الى الدقة والموضوعية، لكنها لا تستند الى معلومات أو معطيات حقيقية صادرة عن المراجع الرسمية المختصة، مما يؤدي الى التشويش على أعمال القوى العسكرية والجهات الأخرى، التي تتابع عن كثب عمليات الإنقاذ والبحث عن المفقودين». وأهابت القيادة بوسائل الإعلام «عدم بث أي أخبار غير موثوق بها وغير مؤكدة من السلطات المعنية، وتدعو الجميع للعودة إليها عند الحاجة لاستقاء المعلومات المتوافرة لديها».