غرق لبنان في الحزن والصدمة، ومعه العالم، نتيجة فاجعة سقوط الطائرة الأثيوبية فجر أمس، بُعيد زهاء ثلاث دقائق من إقلاعها من مطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة بيروت الساعة الثانية والنصف فجراً، وعلى متنها 90 شخصاً، بمن فيهم طاقمها، بينهم 54 لبنانياً و22 أثيوبياً و3 كنديين من أصل لبناني وعراقي واحد وسوري واحد وروسية من أصل لبناني وفرنسية. وزاد من حجم الفاجعة التي نجمت عن سقوط الطائرة، وهي من نوع «بوينغ – 737 – 800» في عرض البحر قبالة شاطئ بلدتي الناعمة والدامور اللبنانيتين، أن عمليات الإنقاذ لانتشال جثث الضحايا والناجين المحتملين والتي بدأت فور حصول الكارثة، واجهت طقساً عاصفاً وأمواجاً عاتية في البحر خلال الليل حين بدأت القوات البحرية اللبنانية والقوات البحرية التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) فضلاً عن طوافات الجيش والقوات الدولية أعمال الإنقاذ. وعلى رغم أن طوافات قبرصية وبريطانية وفرنسية انضمت إليها بناء على طلب الحكومة اللبنانية، لم تتمكن من انتشال سوى 18 جثة حتى بعد الظهر كما قال وزير الدفاع إلياس المر. وانضمت الرابعة عصراً الى القطعات البحرية اللبنانية والدولية التي انتشرت في البحر، سفينة أميركية تابعة ل «المارينز» تحوي معدات متطورة في عمليات الإنقاذ تستطيع تحديد الأمكنة التي توجد فيها جثث الضحايا، بعد أن صعُب على الغطاسين الباحثين عن جثث البقاء في أعماق البحر طويلاً. وفيما ساد الانطباع منتصف النهار بصعوبة العثور على ناجين من الكارثة وسط انتظار ثقيل لنتائج التحقيق من أجل فك لغز سقوط الطائرة المنكوبة، حرص كبار المسؤولين على الدعوة الى عدم استباق العثور على الصندوق الأسود للطائرة في أعماق البحر، ومراجعة شريط الاتصالات بين برج المراقبة في المطار وقائد الطائرة، قبل انقطاعها عند سقوطها. وأشار بعض المعلومات الى أن الطائرة كانت بلغت علو زهاء 7 آلاف قدم في سرعة بعد الإقلاع. ودعا كبار المسؤولين، من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزراء النقل غازي العريضي والدفاع إلياس المر وغيرهم، الى انتظار نتائج التحقيق وعدم الاسترسال في التكهنات، لا سيما أن التقديرات والتحليلات كثرت عن تعرضها لصاعقة «جوية» تارة وعن حصول حريق فيها تارة أخرى أو عن عطل طارئ، فيما اعتبرت جهات خبيرة في الطيران أن الصندوق الأسود ومراجعة شريط الاتصالات من برج المراقبة هما اللذان سيحددان ما إذا كان هناك خطأ بشري ما يتعلق بقيادتها أم أن الكارثة وقعت لسبب آخر. ووصلت الى بيروت بعد ظهر أمس بعثة تقنية مشتركة من الشركة المالكة للطائرة والسلطات الأثيوبية اطلعت على المعطيات الأولية في شأن سقوطها وراجعت في حضور مسؤولين لبنانيين من مديرية الطيران المدني في مطار بيروت شريط الاتصالات التي جرت بين برج المراقبة والطائرة عند لحظة الاستعداد للإقلاع وحتى انقطاع الاتصال بها، 3 مرات. واستبعد الرئيس سليمان حصول عمل تخريبي في انتظار التحقيق، كذلك الوزير المر. ودعا الحريري الذي كان أول الواصلين الى مطار بيروت لمواساة أهالي ركاب الطائرة اللبنانيين وأقارب وأصدقاء العاملات الأثيوبيات اللواتي كن على متنها الى عدم اللجوء الى التأويلات. وكان الحريري بدأ اتصالاته بالدول التي في استطاعتها المساعدة في الإنقاذ، فجراً فيما انتقل سليمان في الصباح الباكر الى غرفة العمليات في وزارة الدفاع. وانضم رئيس البرلمان نبيه بري الى الحريري والعريضي ووزير الداخلية زياد بارود ورئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد في المطار وعدد من نواب المناطق. وحلّقت طائرة مروحية على متنها الحريري ووزراء وقائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي فوق منطقة سقوط الطائرة في البحر لمعاينة عمليات الإنقاذ. وأعلن الحريري منذ الصباح الحداد الوطني العام في المؤسسات العامة الرسمية والخاصة والتعليمية. وأجّل بري الجلسة النيابية التي كانت مقررة أمس. وترأس الحريري مساء اجتماعاً وزارياً قضائياً أمنياً لمتابعة عمليات الإنقاذ وآلية التعرف الى الجثث التي تم انتشالها والتي يفترض انتشالها لاحقاً. كما أعلن الاتحاد الأوروبي الحداد وتنكيس الأعلام في كل سفارات دوله في لبنان. وانتشر مواطنون مع قوات الجيش اللبناني على الشاطئ الجنوبي ومعهم بعض رجال الإعلام يتلقفون بعضاً من حطام الطائرة ومحتوياتها القليلة التي قذفتها الأمواج الى الرمال اللبنانية، فيما شوهد غطاسون متطوعون على الشاطئ. وتوزع أهالي الضحايا الذين التقاهم مراسلو «الحياة» بين صالونات المطار ينتحبون على أعزائهم وسط أجواء مأسوية مؤثرة وطالبوا الحريري وبري والوزراء بالعمل لوقف هجرة أبنائهم الى الخارج، وبين مستشفى بيروت الحكومي حيث وصلت بعض الجثث التي انتشلتها بحرية الجيش و «يونيفيل». وزار سلميان المستشفى، وتضاربت الأرقام بين الوزراء حول عدد هذه الجثث. وفيما قال المر إنها 18 جثة ذكر خليفة إنها 14 جثة وقال خليفة إن هناك جثثاً مشوهة الى درجة يصعب التعرف إليها، وأنه تم التعرف الى هوية الضحية حسن تاج الدين لوجود جواز سفره في جيبه وأنه عرف من الجثث 3 أثيوبيات، إضافة الى هوية الطفلة (جوليا الحاج) فيما لم يتم التعرف الى هوية طفلة أخرى. وأشار الى اعتماد آلية للتعرف الى الجثث من خلال الفحوص المخبرية للضحايا ومقارنتها بفحوص ذويهم. لكن خليفة أشار الى وجود 5 أو 6 جثث على متن إحدى السفن. وأعلن المر عن استمرار عمليات الإنقاذ من دون تحديد وقت. وعبر الأهالي عن غضبهم إزاء المسؤولين الذين التقوهم في المطار وفي المستشفى... وبين الذين فجعوا بالكارثة السفير الفرنسي في بيروت دوني بياتون الذي كانت زوجته مارلا على متن الطائرة المنكوبة، إذ أوصلها الى المطار بُعيد منتصف ليل أول من أمس لتستقلها الى أديس أبابا للمشاركة كمترجمة محترفة في مؤتمر يعقد هناك. وخسرت محطة «إم تي في» التلفزيونية الزميل خليل نامي الخازن (مواليد 1967) وهو أحد مديري المحطة وعضو مجلس إدارتها. وكان الزميل الخازن متوجهاً الى أديس أبابا لتفقد قريب له أصيب بأزمة قلبية.