قد يكون العذاب السياسي والاجتماعي من الأمور المتعارف عليها، ومقبولة في الشارع العربي لأنها أصبحت جزءاً من حياة المواطن العربي وتكوينه، ولكن المتعة في الأصل لا تقبل مرارة الأجسام الغريبة، ولا يتقبل المتذوقون لها الارتباك والعشوائية، لأن من سنوا أنظمتها ولوائحها يرون فيها منطقة الهروب من المشكلات اليومية الطاحنة! لكن العرب أحاطوا منطقة الهروب إلى المتعة بالارتباك والفساد من كل جانب، ومن غير الطبيعي أن تظل صامدةً أمام قوى الدفع السلبية التي أحدثت شرخاً أعقبه تصدع حتى هدمت الجدار! في ممارسة المتعة عندما يختلط حابل اختلال موازين الأنظمة واللوائح بنابل عدم فهم أو سوء التطبيق وعيب في السلوك، تشعر أنك أمام ملفات محاكم جنايات دَوّن قضاتها آراءهم بطقوس الميول، وحَيّدت عواطفهم المكتوب من القوانين والمتعارف عليه من آداب الاحترام، حتى أصبحت منطقة المتعة جزءاً من فوضى الشارع العربي، لم تعد تتمتع بحصانة الروح الرياضية. عندما ترى الجندي في أي موقع ممسكاً ببندقيته تطمئن لمستوى الجاهزية، ولكن عندما تشاهد مشجعاً في منطقة المتعة مخفياً سكيناً خلف علم بلاده أو فريقه تشعر بالرعب والخوف لنسف ابتسامة الهزيمة، وإشهار سكاكين التواضع. الرياضة متعة، والمتعة من أصول الرياضة، والروح الرياضية العقل المدبر لتفاصيل ممارستها، والنتاج الطبيعي فن وذوق وأخلاق. فأي رياضة يتحدثون عنها وقد تحولت في حالتنا العربية مناطق متعتها إلى أشبه ما يكون بالثكنات العسكرية تحت غطاء حفظ أمن المتعة من ممارسيها وعشاقها! كما أصبحت كثرة أحداثها ومشكلاتها جزءاً من سياسة إلهاء الشعوب بدلاً من الترويح عن النفس والمتعة. عن أي رياضة يتحدثون والمثقف العربي يتبناها بعد «عشق سماع فيروز» بجهله في ألعابها وقوانينها وعدم محبته لها وكأنها تهمة يعاقب عليها القانون! وقفز الاهتمام بضجيجها وصراخها وترتيب برامجها فوق الاهتمام بالعلم والمعرفة والتنمية والتطوير. وعن أي فن يتحدثون وعقل وأقدام وأيدي الرياضي العربي مأسورة بثقافة النصر المؤزر أو الهزيمة المنكرة، بحر في الأمام وعدو شقيق في الخلف! وعن أي ذوق يتحدثون وقد أعدمت روائح التعصب الكريهة حاسة الشم وقطعت دابر لمس اليد للمصافحة، عن أي أخلاق يتحدثون والرياضي العربي مشحون بإعلام مهووس بثقافة الصراعات والزهو بالمقاطعة والفرقة، يُفَبرك الأقوال وينشر الإشاعات ويهيج المشاعر. وأي رياضي عربي يريدون وهم يتتبعون باستقصاء استخباراتي خصوصيته وحركاته وسكناته، وهناك رياضيون عرب أصيبوا بمرض التوحد «الطفولي» بسبب التقزيم من أقلام حبر التعصب الأسود. وأي حَكَمٍ عربي يريدون وقد جردوه من أمانته وأخلاقه، وأخرجوه من أرض المتعة محاطاً بثكنة عسكرية على شاكلة مجرمي الحروب لحمايته من محبي وعشاق رياضة الفن والذوق والأخلاق! عن أي سمعة حضارية يتحدثون والجماهير العربية تنقاد خلف فقهاء الإعلام العربي فتُنَظّم قصائد الهجاء وأناشيد الشتائم وتحفظ كلمات السباب والاستفزاز؟ من تابع وفتش ودقق في لغة التحريض والشخصنة وتأليب المشاعر، وفَتح ملفات وقضايا الخلاف وأساليب الإقصاء، وأحداث حالات الارتباك الاجتماعي سيتأكد أن الآلة الإعلامية بأنواعها وأساليبها تلعب أدواراً قديمة جديدة أفرزتها حالة التردي والإخفاق السياسي والاجتماعي والتنموي العربي التي كونت طبقة هشة قابلة للكسر والتفتيت لأتفه الأسباب! الجيل العربي الجديد أحس منذ 10 سنوات بفساد أماكن المتعة، ومع انطلاقة توسع البث الفضائي الذي يزداد يوماً بعد يوم بدأت هجرة العقل العربي لأنه وجد في العالم المتحضر المتعة الحقيقية والرياضة الحقيقية، اكتشف الحقيقة وجذب سمعه وبصره وأحاسيسه متعة منظمة راقية في أحداثها، وتوطنت أندية أوروبا في عقول أبنائنا ومنازلنا. وبعد دخول إغراءات المكاسب المادية إلى أماكن المتعة العربية بدأت تبحث عن العشاق وتلاحقهم وتطاردهم بالمغريات والجوائز والدخول المجاني، وبعد أن حضروا استجابة للدعوة الملحة وجدوا الصورة والصوت والأحداث لم تتغير ولا يزال «الحَكَم» يخرج مكبلاً بعقد أمني حفاظاً على سلامته، وصوت «الطّار» والكلمات النابية تُشوه الصورة الحضارية لأماكن الروح الرياضية؟! انضمت المتعة إلى منظومة الهجرة العربية، فلحقت بالسياسة والطب والبحث عن بيئة العلم والمعرفة والإبداع، أما الوطن العربي فلا يزال متألقاً في الحصول على المواقع المتأخرة في مؤشرات الفساد بحسب إحصائية منظمة الشفافية الدولية، وسيزيدها فساد المتعة رسوخاً وصلابةً وتمسكاً بهذه المواقع، لأن الواقع العربي يريد هذا والإعلام العربي يتلذذ بالصراخ والبكاء على ماضيه وحاضره، والأدهى والأمر أن هناك فرصاً استثمارية كبيرة للاحتطاب بالقلم! [email protected]