قبل الخوض في ما قَبْل وبَعْد، لا بد أن نصل إلى تعريف شامل كامل لمصطلح «عاطل»، هل هو الشاب الذي تخرج في الثانوية أو الجامعة وينتظر كرسياً دواراً وغرفة مكيفة؟ أم هو المؤهل الجاد المنتظر الضعيف بلا فيتامين يدفعه من الخلف بورقة توصية، أو اتصال للحصول على الوظيفة المتاحة؟ هل يكون من شق الأرض عرضاً وطولاً ولم يسمع إلا كلمتين «لا يوجد وظائف» أو «ضع ملفك وسنحادثك»، أم هو المختفي في منزله بلا شهادة ولا طموح ولا نظرة عطف ويتداول أهله سراً بينهم أنه أصبح «عالة»، ومجتمعه يطلق عليه «العاطل»، وهل العاطل الفقير يختلف عن نظيره الغني، أم أن البطالة تطمس ما يأتي بعدها من كلمات وتذيبها تماماً. الاتفاق والتوصل إلى التعريف سيريح كثيراً من حالات البطالة المتكدسة ويحصر إغراء «ألف ريال» إن أتت، قد يحدث أن يعتبر مجتمعي الساخر «البطالة» وظيفة في ظل توصية مجلس الشورى المطروحة على طاولة النقاش أمس، بصرف إعانة مالية شهرية للعاطلين عن العمل، ولكن أيهما أولى واستثماراً لأجساد الشباب وحرق طاقتهم، هل هو صرف إعانة أم مضاعفة الجهد وجدية التحرك والحركة لإيجاد وظائف؟ أعني بالضبط أن التوصية - على إيجابيتها - باكرة في ظل إهمال وتناسي توصيات أكثر حساسية وضرباً على المفاصل لحل الأساس من المشكلة، التوصيات المؤدية لتجفيف منابع البطالة أكثر أهمية بعد طلب الكشف عن ملفات الوظائف النائمة في الأدراج برعاية مدير شؤون موظفين لأجل مصلحة متبادلة مع مسؤول في جهة أخرى أو انتظاراً لعزيز أو قريب لم يحصل على الشهادة بعد، التخصصات المفتوحة التي لا تزال تكدس أجساداً في شوارع البطالة تحتاج لإغلاق بواباتها المفتوحة والإعلان الشفاف بأنها لا تؤكل عيشاً ووصل الحال معها إلى التشبع، ألف ريال هي المبلغ الذي ربما يصرف للعاطل السعودي، مقنع أو غير مقنع لا يهم، حقيقة أم خيال لا نعرف، لكنه جيد ومقنع بتغليب التفاؤل والمقارنة مع «لا شيء» سابقاً حتى وإن كان لن يحل قطعياً إغواءات الفراغ. توصية «الألف» هي مساعدة منتظرة منذ زمن عملاً ب«درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، ولكن لا نقف عند تثبيت التوصية فهناك ما هو جدير بأن يتم عمله، ولعل من التوصيات المفترض أن تعقب أو تسبق توصية «الإعانة» هي إقرار نظام «سعودة» جديد غير قابل للتحايل وتشدد فيه العقوبات لمن يخترقه عمداً ويقفز عليه بلا احترام. تحويل شبابنا الجديد المتسكع على أرصفة الشوارع إلى ميادين العمل مطلب مهم ليس من أجل إسكات صوت رقابي وتحقيق كاذب فاضح للسعودة تحت شعار «خليك بالبيت»، ونحن الذين نعترف بمعاناتهم وجلوسهم في بطالة حقيقية لا يحلها قرار عاطفي أو تفاعل إيجابي، بل صرامة في التوجه وإيقاظ متواصل لضمائر لم تخف على مواطنها الشاب حين تركته مفكراً بلا وضوح، ومتهوراً في القرار، متعباً نفسياً، منزعجاً بصراخ الأهل وقسوة المجتمع ونظرته البائسة لكل من يعرف عنه أنه عاطل. لتحمل التوصيات المقبلة ضرورة إيجاد قانون جديد للسعودة يقلب المعادلة بالكامل، وكشفاً جريئاً من الجهات عن وظائفها السنوية الشاغرة وإغلاق التخصصات التي تغرق السوق بالمزيد من العاطلين، وبهذا تجف المنابع قطعاً وعلى مسؤوليتي! [email protected]