كتاب «إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية» للدكتور أحمد العيسى مدير «جامعة اليمامة» في مدينة الرياض، اصبح الحدث الثقافي الأبرز في السعودية هذه الأيام، وربما لسنوات مقبلة. اهمية الكتاب تنبع من كون مؤلفه صاحب رؤية مستقلة وشجاعة، تكونت عبر التجربة والمعايشة. وهو قدم لكتابه على طريقة السعوديين، «الكلمة اللي تستحي منها بدها»، والتي تستحي منها ابدأ بها. وضمنه «نقدا، بل هدما، لما قد يعتبره البعض مقدسا ونهائيا وثابتا غير قابل للتطوير». ليس هذا فحسب. العيسى وقف بشجاعة ادبية، غير مسبوقة، في مواجهة النصرة العاطفية لنظام التعليم في المملكة العربية السعودية، والتي تضخمت بعد احداث 11/ 9، استناداً الى القول المأثور «أنا وابن اخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب». في تلك الفترة، تعامل المجتمع السعودي مع التعليم باعتباره جزءا من منظومة القيم التي استباحها الإعلام الغربي، وليس وسيلة لتعزيز القيم، و «الانطلاق للعالمية عبر الانفتاح الثقافي والعلمي والتكيف مع المتغيرات السريعة التي تحدث من حولنا». توصل العيسى، بتجربته الثرية، ان التعليم في السعودية هو «ضحية التأزم الثقافي العام الذي شهدته السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية، بين تيارات تدعي الأصالة وتسعى، بما تملكه من نفوذ، الى التمسك بهوية دينية متشددة في البلاد. وتيارات تنادي بالحداثة وتسعى الى مزيد من الانفتاح الخارجي، لكنها تفتقد الى التأثير». هل يمكن القول إن كتاب الدكتور احمد العيسى هو «بيريسترويكا» سعودية لإصلاح التعليم؟ انه بالفعل كذلك. لكن الفرق ان العيسى لا يشبه غورباتشيف. هو لا ينادي بهدم جدار القيم في المجتمع السعودي، وانما بمعاودة طلائه بلون زمانه وعصره، وبأساليب حديثة تجعل الطلاب أكثر فهما لمدلولات التعاليم الاسلامية العظيمة. الفلاسفة يقولون إن «الوعي ممارسة»، والدكتور العيسى تجاوز هذه المقولة. فهو يدير عمله بممارسة تنبت الوعي وتعلمه الحكمة. وخلال العقود الثلاثة الماضية، كان خريج «جامعة الملك فهد للبترول» يماثل نظيره في اعرق جامعات العالم. اليوم اضاف العيسى مقياساً سعودياً جديدا في «جامعة اليمامة». اصبحنا، بفضله ووعيه، نرى جيلاً سعودياً مختلفاً. ذكّرنا جيل اليمامة بجيل جامعة البترول، يوم كانت وثيقة الصلة بشركة «ارامكو».