تبرز أهم تداعيات أزمة المال العالمية على الاقتصاد المصري في تأثيرها في سوق العمل، فينتظر أن تعمق من خطورة الاختلالات والتشوهات التي تعاني منها سوق العمل المصرية على صعيد العرض والطلب، وبين قطاعات التشغيل والسوق الرسمية وغير الرسمية، وبين الذكور والإناث، وبين الأجور والإنتاجية وبين الفقراء وغير الفقراء. وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور مختار الشريف، ل «الحياة»، أن الاقتصاد العالمي يواجه تقلصاً وكساداً وتباطؤاً، ما ينعكس على حجم العمالة وازدياد البطالة، لذلك تواجه السوق أزمة كبيرة بسبب العمالة المسرحة، سواء داخلياً أو خارجياً، ما يؤدي إلى زيادة الرصيد المتراكم من البطالة. وأضاف أن سوق العمالة تفقد نحو 400 ألف فرصة عمل، بعد انخفاض تراجع معدل النمو من 7.2 إلى 4.5 في المئة، إضافةً إلى العمالة الواردة من الخارج. وأشار الشريف إلى اقتراحات روّج لها أصحاب أعمال تقلّص حجم الخسائر، تقضي بتحديد الأجور أو عدم دفع مكافآت أو عدم دفع أجور موقتاً إذا لم تتحسن السوق، إلى التسريح النهائي. اعتبر الشريف تموز وآب (يوليو وأغسطس) موعداً لإنهاء عقود العمالة في الخارج، متوقعاً أن الرصيد المتراكم من البطالة سيشهد انفجاراً. وأكدت نائب المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية نجلاء الأهواني، خلال رصدها تداعيات الأزمة المالية على سوق العمل، أن أكثر قطاعات الاقتصاد القومي تأثراً بالأزمة العالمية هي القطاعات الكثيفة التشغيل، مثل الصناعة وخدمات الإنتاج والتشييد والبناء، التي انخفض فيها معدل النمو خلال الأزمة، ما أسفرَ عن أثر سلبي قوي في أوضاع التشغيل فيها. وأوضحت أن انخفاض النمو خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية تموز وكانون الأول (يوليو – ديسمبر) 2 في المئة يقود إلى تراجع الطلب على العمالة واحداً في المئة. وتوقعت الأهواني أن يرتفع معدل البطالة إلى 5.9 في المئة نتيجة التراجع المتوقع في النمو خلال النصف الثاني من السنة، فيتراوح بين 3 و5.4 في المئة. وأشارت إلى أن الأثر الأكبر سيكون بالنسبة الى الإناث والفقراء والمشتغلين بصورة غير رسمية والعمالة الموقتة والموسمية بخاصةٍ في قطاعات الفنادق والقرى والشركات السياحية والصناعات التحويلية والعقارات والتشييد وقطاعات التصدير السلعية. وقدّرت الأهواني أضرار تسريح العمالة أكثر بكثير من أضرار الاحتفاظ بها موقتاً، إلى حين تحسن الأوضاع الاقتصادية، بخاصةٍ إذا كانت عمالة مدربة. ولفتت إلى تقلص تأمين فرص العمل إلى 128 ألفاً في مقابل 181 ألفاً، أي بتراجع 30 في المئة. وطرحت الأهواني سياسات محددة لمواجهة تداعيات الأزمة على سوق العمل، منها ضخ 15 بليون جنيه (نحو 3 بلايين دولار) في مشاريع البنية الأساسية، ووضع برنامج اجتماعي يراعي تشجيع الشركات على عدم التخلص من العمالة لديها، ووضع خطة لدعم قطاع الزراعة فيوفر 75 ألف فرصة عمل، وتفعيل صندوق الطوارئ ومنح إعانة بطالة وتشجيع الشركات على تدريب العاملين وتقييد العمالة الأجنبية الوافدة إلى مصر. وأكدت وجود ستة تحديات في سوق العمل، منها الاختلال بين العرض والطلب، والاختلال بين الأجر وكفاءة الإنتاج، والاختلال بين الإناث والذكور من حيث التشغيل. وأعلنت أن القطاعات الخدمية تستوعب أكثر من 46 في المئة من حجم العمالة، في حين تؤول النسبة المتبقية إلى القطاعات السلعية، مشيرة إلى أن «الأجر في مصر لا ينمو ولا علاقة له بالإنتاجية». تفويت الفرص الصناعية وأشار مدير مركز تحديث الصناعة أدهم نديم الى أن الدراسة التي أعدها المركز حول تأثير الأزمة المالية على العاملين في الصناعة المصرية توقعت تسريح نصف مليون عامل خلال السنة الحالية. وأوضح في ندوة عن «أزمة المال العالمية وسوق العمل المصرية» أن عشر شركات تقدمت بطلبات إعانة من صندوق إعانة البطالة، وحظيت ثلاثٌ منها فقط بالموافقة. وأشار إلى أن شركات القطاع الخاص تتجه إلى عدم تعيين أجراء جدد، ما يؤدى إلى تفويت تأمين نحو 270 ألف فرصة عمل وفّر مثلها القطاع الخاص العام الماضي، إضافة إلى خروج 220 ألفاً على التقاعد. ويعمل في القطاع الصناعي بحسب نديم، مليونا عامل منهم، مليون و300 ألف عامل في القطاع الخاص الرسمي. واعتبر أن القطاع الخاص «لا يستطيع تحديد المدة التي يمكن أن يحتفظ خلالها بالعمالة». وأوضح أن إحدى شركات الأجهزة المنزلية انخفضت مبيعاتها الشهر الماضي 90 في المئة. وأعرب عن خشيته من أن «القطاع الخاص لا يتحمل عبء الحكومة ودورها تجاه العمالة»، وأن قانون العمل لا يسمح بتسريح العمالة المؤمّن عليها، ما يمثل عبئاً على شركات القطاع الخاص. وطالب الحكومة بضرورة تعديل قانون العمل، ليمنح الشركات مرونة في تسريح العمال خلال الأزمة، إذ يوجد تقصير حكومي لعدم تفعيل صندوق إعانة البطالة، الذي لا يعمل إلا بعد إشهار إفلاس الشركة وتصفيتها وتسريح العمالة بحكم قضائي. وأوضح مدير مركز التحديث الصناعي، أن القطاع الخاص استوعب العام الماضي 50 ألف عامل، يمثلون الفرق بين الجدد والخارجين على التقاعد، لافتاً إلى أن المستهدف لسنة 2019 تعيين مليون عامل، ما يصعب الالتزام به في ظل الأزمة المالية. وأفاد بأن القطاع الخاص أوقف التعيينات الجديدة بسبب تداعيات الأزمة وتقدر بنحو 300 ألف شخص سنوياً، وسيحتفظ بالعمالة الرسمية المؤمّن عليها وتقدر بنحو 3.1 مليون، في حين أن العمالة الموقتة ستكون عرضة لفقد عملها. وأشارت المدير التنفيذي للمجلس الوطني للتنافسية منى البرادعي في حديثٍ ل «الحياة»، إلى توقعات منظمة العمل الدولية بأن 51 مليوناً سيفقدون عملهم على المستوى العالمي نتيجة الأزمة، وتوقعت تسريح جانب من العمالة المصرية نتيجة الركود الاقتصادي إلى جانب زيادة اختلالات سوق العمل لغير مصلحة المرأة والفقراء والعمالة غير الرسمية. وتوقعت دراسة مصرية حديثة، حصول تداعيات سلبية كبيرة على العمالة المصرية في دول الخليج، خصوصاً أن تأثيرها في العمالة المنتظمة لم يظهر بعد، لكن سيظهر خلال 6 شهور، بينما سُرّح ما بين 20 و50 في المئة من العمالة الموقتة غير المنتظمة، وتُنتظر عودة نحو نصف مليون عامل تشييد من دول الخليج التي تعاني ركوداً عقارياً. وأفادت الدراسة بأن معدل النمو الحقيقي لقطاع التشييد والبناء في مصر انخفض إلى 9.4 في المئة، خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية، مقارنة ب15.6 في المئة، خلال الفترة ذاتها من العام السابق، متأثراً بتداعيات الأزمة الراهنة. وعللت الدراسة التي صدرت عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية هذا الانخفاض بأسباب عدة، أهمها عدم وجود مشاريع جديدة وتخوف المستثمرين من التوسع في مشاريعهم القائمة، وانخفاض معدلات النمو الحقيقية في القطاعات الأخرى، بخاصةٍ التي يرتبط بها القطاع إلى جانب صعوبة التمويل وترقب المشترين مزيداً من الانخفاض في الأسعار. وأشارت الدراسة إلى عوامل تأثير مختلفة في معدلات نمو قطاع التشييد والبناء على المدى المتوسط، من بينها التوقعات بحدوث انكماش في عمليات بيع الوحدات التي أنشئت، وفي المشاريع التي حددت أسعاراً مرتفعة للبيع، وينطبق ذلك على المباني السكنية بدرجة أكبر من المباني غير السكنية أو الهندسة المدنية، كما ينطبق على الإسكان الفاخر بدرجة أكبر من الإسكان المتوسط. وترصد الدراسة عدداً من العوامل التي قد ترفع الطلب على سوق العقارات خلال الفترة المقبلة، في مقدمها حزمة الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة، وتكلف نحو 15 بليون جنيه ألغيت في مشاريع البنية الأساسية، إلى جانب انخفاض أسعار الحديد بسبب الأزمة العالمية، وبسبب فتح باب الاستيراد، مشيرة إلى ضرورة إنشاء صندوق طوارئ لمساندة القطاع وتفعيل نظام التمويل العقاري.