هديل الشيخ صوت شعري آتٍ من الشرق، هذا الصوت ولد وعاش في الغرب ليعود من جديد الى أرضه الأولى والى الجذور والى الأسلاف. ببساطة وخفة ويسر تعكس آلام ومعاناة المرأة العربية ومعاناتها في مجتمع أبوي بحسب الناقد جون الدن ويليامز. تقارب هديل شيخ مجتمعاً يتحول بسرعة، حيث هي مقبولة ومرفوضة في آن واحد. في مجموعتها الشعرية الصادرة بالانكليزية بعنوان «خلف الستار» (الدار العربية للعلوم - ناشرون)، تسافر هديل الشيخ في عالمها الخاص المليء بالحب الصادق والدافئ للعائلة والوطن. فهي ولدت في الغرب ثم عادت الى وطنها الأصلي، المملكة العربية السعودية، حين تملكتها حالتها الشعرية فتوغلت فيها، وفي أفضل ما خبرته في الشرق والغرب. رحلتها تنضح بالوحدة والعزلة والألم والأمل. قصائدها محاولة للمصالحة مع مجتمع يغير قواعد اللعبة باستمرار. صراعها يصب في البحث عن موطئ قدم، عن طريق، في ظل التحولات المستمرة والمتسارعة في المجتمعات العربية. وإنها محاولة أيضاً لجعل صوت المرأة مسموعاً بطريقة أو بأخرى. والشعر هو الطريقة والمفر معاً. هديل الشيخ هي شاعرة ومترجمة ومدرِّسة وكاتبة. ولدت في ميتشيغان، الولاياتالمتحدة، وعاشت صباها في أوتاوا، كندا ثم عادت الى المملكة العربية السعودية. نالت شهادتها الجامعية العليا وتعمل في التعليم في جامعة الملك عبدالعزيز. في قصيدة «خلف الستار» تعبر هديل الشيخ عن ألم فراق المكان الذي أمضت فيه طفولتها. «كيف اقتلعت من حديقة طفولتي... حيث علمتني الفصول دروساً، وغنت الموسيقى في هواء الصيف». هي في حالة حنين وشوق الى ذلك المكان وملعب الطفولة والسعادة في المدرسة حيث اللعب والدرس. «فجأة أخذ كل ذلك مني حيث عدت للقاء في الوطن، وحيث أصبحت الليالي أطول من الأيام. وحيث «انتظرت ظهور قوس القزح، ولا من مطر». لكن الشاعرة تعود وتتصالح مع موطنها الأصلي في قصيدة «جدة». وهي مدينة تلجأ اليها في أوقات الشدة «كطفل وجد أمه». فالمدينة بالنسبة لها «الحل الوسط بين الجبال القاسية والصحراء الصعبة». و «انت الدفء الذي يحيي الحجيج من أصقاع العالم». جدة هي المدينة التي تتمنى الشاعرة أن ترقد فيها رقدتها الأخيرة. تعبر الشاعرة عن مشاعرها كأم في ثلاثة قصائد لأولادها: «محمد» و «أحمد» و «هاشم». قصائد مفعمة بالحب والحنان والرهافة والأطفال يبقون أطفالاً في عين الأم. في قصيدة «الوجود في الوجودية» تقول الشاعرة: «أنا على النافدة/ انظر الى الخارج من الداخل/لا يستطيع أحد النظر الى الداخل/من الخارج/ وأنا يسكنني الأمان». وفي موقف متناقض في مكان آخر تقول: «جالسة على الطاولة/ أرنو اليك/ وترنو الى/ نبتسم/ ونبكي من الداخل». تعكس هديل الشيخ في قصائدها معاناة الوجود في بيئات ثقافية متناقضة، لكنها في نهاية المطاف تجد السلام الداخلي في روحها ووعيها: «أنا في غمرة الظلمة/ وعندما أغمض عيناي/ يغدو وجهك ظلاً/ وأشرع رحلتي/ الى أقاليم روحي». في قصيدة «بلا فخر» تعبر الشاعرة عن علاقة غير متساوية وغير منسجمة مع الرجل. الشاعرة في حالة ندم ومراجعة الذات كما في قصيدة «لو» وتتمنى لو تحصل على فرصة أخرى في هذه الحياة لتعيش أفضل وتعوض خساراتها والخيبات: «لو كان لي فرصة أخرى/ سأفعل الكثير/ لأجلي/ والقليل للآخرين/ والآن، رغم محاولاتي/ كلهم ذهبوا بعيداً/ وأنا وحدي/ يعملون/ لأجل أنفسهم/ لو كان لي فرصة أخرى/ لأعدت ما فعلته تماماً/ لكن مع شخص آخر/ يدرك قِمة حبي/ شخص لا يهمل أو نعقل/ الفرص الثانية». الشاعرة هديل الشيخ في كتابها «خلف الستار» امرأة منكسرة تحاول المصالحة مع أرضها وذاتها وواقعها. امرأة وجدت الشفاء في عالم الشعر فكتبت حياتها وطفولتها وخيباتها مع الآخر. لغتها الشعرية أكثر تعبيراً عن مشاعرها واحاسيسها ولو ان الشكو قيَّدها في أكثر من فضاء وأكثر من مكان.