لندن، واشنطن - «الحياة» رويترز، أ ف ب - واجهت اقتراحات الرئيس الأميركي باراك أوباما، بالتشدد حيال القيود المصرفية وتفكيك مؤسسات المال الكبرى، انتقاداتٍ من الخصوم السياسيين وتحفظاتٍ من مقربين، وسط تداعي تأثيرها، إثر خطاب الرئيس مساء الخميس الماضي، على البورصات العالمية التي تكبّدت خسائر لم تعرفها منذ نحو ثلاثة أشهر، وانعكست سلباً على أسعار النفط، وسط أصداء عالمية خافتة وتأييد من بريطانيا. وكان أوباما أعلن خططاً لفرض إجراءات حاسمة تهدف إلى التشدّد في القيود على نشاطات المصارف، في محاولة لتجنب الوقوع في أزمة مال خانقة مثل التي مرت بها البلاد وامتدت إلى العالم. وقال أوباما ليل أول من أمس: «لن يكون دافع الضريبة الأميركي بعد الآن رهينة للمصارف التي أصبحت أكبر من أن تُترك لتنهار». وتتضمن الخطط، التي تعتبر الأكثر صرامة حتى الآن، وضع قيود على حجم المصارف، وعلى درجة الأخطار التي تجازف بها في التعاملات المصرفية. وتسببت الإجراءات في تراجع حاد لأسهم مؤسسات مصرفية أميركية كبرى، مثل «جاي بي مورغان تشايس» و «بنك أوف أميركا»، ففقدت اكثر من ستة في المئة من قيمتها. وأضاف أوباما: «في وقت صار النظام المالي أقوى بكثير الآن، مقارنة بما كان قبل سنة، لا يزال يعمل بموجب القوانين ذاتها التي أوصلت إلى شفير الانهيار». وتتضمن الإجراءات الجديدة حظراً على استثمار المصارف أموالها الخاصة، على أن تُحصَر الاستثمارات بأموال المودعين. وأعرب الرئيس الأميركي عزمه الشديد على تمرير القانون بالقول: «إذا أراد هؤلاء معركة، فلتكن معركة، فأنا مستعد لها». ومن شأن الإجراءات أن تتسبب في مشاكل حقيقية للمصارف الأميركية الكبرى، وقد تجبرها على التفكك إلى مؤسسات أصغر. وانتقدت جماعات الضغط المصرفي الإجراءات المقترحة، واعتبرت أن أوباما يريد العودة بالولاياتالمتحدة إلى الماضي. وقال وزير الخدمات المالية البريطاني بول ماينرز إن بلاده اتخذت إجراءات لمعالجة مشاكل القطاع المصرفي ولن تتبع بالضرورة الإجراءات التي أعلنها الرئيس الأميركي باراك أوباما. ولفت إلى أن تعاملات المصارف باستخدام أموالها وليس أموال الزبائن وتعاملات صناديق التحوط والاستثمارات الخاصة التي يريد أوباما ضبطها لم تكن أساس المشاكل التي واجهتها مصارف بريطانية . ونقل الموقع الإلكتروني ل «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن وزير المال في حكومة الظل البريطانية جورج أوزبورن قوله إن حزب المحافظين سيطبق إجراءات مماثلة على القطاع المصرفي البريطاني إذا فاز في الانتخابات المقبلة. وأكد أحد كبار المستشارين الاقتصاديين لأوباما أوستان غولسبي، إلى تلفزيون وكالة «رويترز»، أن الخطط «مهمة، لكن كما هي الحال مع كل الإصلاحات التنظيمية، يجب التفكير في كيفية تنفيذها في سياق عالمي». وكان قال في مؤتمر صحافي في وقت سابق في البيت الأبيض: «نريد تنفيذ ذلك بالتنسيق مع حلفائنا». مجموعة السبع تدرس الاقتراحات ويُتوقع أن يدرس وزراء المال في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى هذه الاقتراحات عند اجتماعهم في كندا يومي الخامس والسادس من شباط (فبراير) المقبل. وأشار غولسبي إلى أن بريطانيا تدرس اقتراحاً مماثلاً يهدف إلى تجنب تكرار أزمة المال التي حدثت عامي 2008 و2009. ومن مصلحة حكومات أوروبية أخرى إيجاد سبل لكبح ما تراه مضاربات غير مرغوب فيها من قبل المؤسسات المالية. وتحد اقتراحات أوباما التي تحتاج إلى موافقة الكونغرس من قدرة المصارف على النمو إلى درجة كبيرة وتمنعها من المشاركة بأموالها في نشاطات لا تتعلق بخدمة الزبائن. وتضم النشاطات مضاربات المصارف في أسواق المال بأموالها وليس لحساب الزبائن. ولن يُسمح لهذه المؤسسات بالاستثمار في صناديق تحوط أو صناديق استثمار خاصة أو امتلاكها أو رعايتها. واختلف غولسبي في الرأي مع القائلين إن الضوابط المقترحة تحرم الشركات الأميركية من ميزة تنافسية، مشيراً إلى أن هذه الضوابط ستُطبق أيضاً على المؤسسات الأجنبية العاملة في الولاياتالمتحدة. وأردف: «لدينا نحو ثمانية آلاف مصرف في هذا البلد. تتمتع الغالبية العظمى منها بقدرات تنافسية طيبة، ولا تملك أي صناديق تحوط أو تقوم بنشاطات بأموالها إلا لمصلحة الزبائن». وتبدو اقتراحات أوباما عودة الى المبادئ الأساسية في قانون غلاس - ستيغال الذي أُقر في ثلاثينات القرن الماضي بعد الركود الكبير وفصل بين المصارف الاستثمارية والتجارية وأُلغي عام 1999 إبان ولاية الرئيس بيل كلينتون الديموقراطي مثل أوباما. غايتنر يشكك ولفتت مصادر في قطاع المال إلى أن وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر أبدى بعض التشكيك في أحاديث خاصة حيال القيود المصرفية الواسعة التي اقترحها أوباما. وأكدت المصادر أن غايتنر لم يعبر علانية عن تحفظاته وإنه يعتقد أن القيود المقترحة على حجم المصارف الكبرى وتعاملاتها يمكن أن تؤثر سلباً في قدرة المصارف الأميركية على المنافسة عالمياً. وأضافت المصادر أن الوزير يخشى أيضاً من ألا تقضي القيود على مشاركة المصارف بأموالها في تعاملات لا تتعلق بخدمة الزبائن على جذور المشاكل والتجاوزات التي أشعلت شرارة الأزمة المالية الأخيرة. وخلال مقابلة مع تلفزيون «بي بي إس» الأميركي، شدد غايتنر على أن الاقتراح جاء نتيجة رغبة في تأمين الاستقرار للنظام المالي ولا علاقة له بالسياسة.