للأشياء القديمة مكانتها الخاصة في القلوب. هي علامات على ما مرّ من أحداث وسنوات، تحمل بين تفاصيلها ذكريات الطفولة والصبا، وتداعب أشكالها ذلك الحنين في داخلنا إلى الماضي. تُطلق عادةً على تلك الأشياء كلمة «أنتيك»، ويميل كثر إلى جمع بعض هذه الأشياء التي يُطلق عليها لفظ أنتيك من باب الذكرى، غير أن هناك أيضاً، آخرين يفعلون ذلك بنوع من الشغف بكل ما هو قديم. لهؤلاء جميعاً، يقدّم المعرض المقام حالياً في ال «غريك كامبز» في القاهرة تحت عنوان «أنتيك»، فرصة لمشاهدة عدد كبير من هذه الآلات والأدوات وغيرها من الأشياء العتيقة. المعروضات التي يضمّها معرض «أنتيك»، هي من مقتنيات الفنان المصري جلال جمعة، الشغوف بجمع الأشياء القديمة. ويضمّ المعرض مجموعة متنوّعة من هذه المقتنيات التي جمعها على مدار سنوات عدة. ومنها على سبيل المثال، آلة تلغراف تعود إلى القرن التاسع عشر، وآلات كاتبة يفوق عمرها المئة سنة، وأداة لوزن الحبوب عليها خَتم الملك فؤاد الأول، وآلات موسيقية، وماكينات حياكة، ومدفأة منزلية تعمل بالكيروسين، وأشياء أخرى كثيرة... اللافت أن الآلة الكاتبة التي كانت مستعملة بكثرة حتى وقت قريب، ثمة جيل لا يعرف شكلها ولا كيف تعمل، هو جيل تعوّد على إعطاء الأوامر باللمس عبر شاشات الكومبيوتر والهاتف الذكي وأجهزة التلفزيون الحديثة. آلات طحن البن التي كانت تُستعمل في البيوت، وماكينات الحياكة اليدوية، كان لها حضورها الطاغي أيضاً. كما أن اللافت في كل هذه المعروضات والأدوات التي يضمّها معرض أنتيك، أنها ما زالت تعمل. والحال، أن ما يعرضه جلال جمعة في معرض «أنتيك»، هو مجرد جزء يسير من مجموعته التي يقول إنه يفكر جدياً في عرض مزيد منها على الجمهور، بعد ما لمسه من اهتمام الزوار بالمعروضات، علماً أن بين الزوار مراهقين وأولاداً أيضاً. وقد اعتاد جمعة العمل على المواد غير المألوفة، إذ كان سابقاً يشكّل أعماله باستخدام الصخور الصغيرة الملوّنة التي يعثر عليها على شاطئ البحر أو في الصحراء، ويحوّلها إلى أشكال فنية باستخدام أسلاك معدنية. ولا بد لزائر المعرض من أن يلاحظ أن لا تنافر بين ما يعرضه جمعة من أشياء عتيقة، وبين هذه الأشكال المتفاوتة الأحجام والمشكَّلة بالأسلاك المعدنية الصغيرة بدقة وإحكام مثيرين للدهشة. طيور وحيوانات وحشرات ووجوه لأشخاص تحمل تعابير قد يعجز الرسم عن الإتيان بها. واللافت، أن هذه الطريقة في التشكيل بالأسلاك المعدنية التي ربما لا يمارسها غيره في مصر، قد بدأها بمحض الصدفة كما يقول. وبدأ الأمر كتصرّف عفوي للتخلّص من الملل، وتحوّل مع الوقت إلى نوع من الاحتراف، فأقام جمعة العديد من المعارض لأعماله، كما نظم ورش عمل كثيرة يرتادها الصغار والكبار.