جاءتني حاسرة الرأس ، يغرورق الدمع في عينيها ، ذاب الكحل من مقلتيها ، فأنشأ أخدوداً في خديها ، ظفائر شعرها تلامس قدميها ، لا شيء يستر ساقيها ، أغمضت عيني خوف الفتنة من حسنها ، فقالت : أهذا جزاء من أحيتك بشفتيها ؟ استدرت عنها إلى جهة أخرى ، فقفزت وهزتني بحاني يديها وقالت : عشقتك من أربعين سنة ، وانتظرت بفارغ الصبر لحظة لقائك ، فلما دنت تشيح بوجهك عني ! أما تخاف الله في مليحة هامتها بين السحاب ، وعلى يديها من ودك قاني الخضاب ؟ فقمت إليها وقبلتها تسعاً وتسعين قبلة من خصائل قذلتها إلى أخمص قدميها ، ثم ارتميت على حضنها الدافئ أنثر آهاتي وأبياتي ، وأتحسس باذخ نهديها ، وأواري معوج خلقي بناعم راحتيها ، وأردد : فاتنتي وحبيبتي ، ما بارح هواك خافقي منذ التقينا ، ولكني ظننتك قد نسيتيني فانا أصغر منك بكثير ، ثم إنه ينافسني في حبك خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين _ رعاهما الله _ وأصلح بهما ولهما ، ولم يدر بخلدي أبداً أمر احتياجك لي ، أو حتى بحثك عني ، فاعذريني وخذيني خاتماً أو قرطاً كيفما تشائين فأنت حياتي وملهمتي ، هدأ روعها قليلاً ثم تأوهت وقالت : لا أريدك زوجاً فأنا قد تزوجت من قبل ولادتك ومنذ زمن بعيد ، وأخلصت في حبي ، ولا أقبل شريكاً لحياتي سوى موحد كيان مملكتنا الحبيبة المغفور له باذن الله الملك عبد العزيز آل سعود ، والذي ألحقني بمثيلاتي وأنزلني مسكنه العامر ليرعاني أبناؤه من بعده براً به ووفاءً بعهده ، وعندها اعترتني هزة وقلت والدمع يغالبني : وماذا تريدين مني فديتك بروحي ودمي ؟ فقالت : أما ترى القطار قد فاتني ، لي خمسة من الأبناء لم يشفعوا لي لدى المقام السامي لانشغالهم بالمرابطة على أقصى الحدود ، ولي أكثر من ( 400 ) حفيد ، ويبلغ آلي قرابة المئة ألف أو يزيدون لم يهتم أحدهم لأمري ، الأمراض تدهمني والأعداء ترمقني ، اعتدلت في جلستي وقلت : لبيك فبم تأمرين ؟ صاحت قائلة َ : أنا لا أزال محافظة على فئة ( ب ) لم يشملني الترفيع ، أبنائي يتناثرون أمامي وأعضائي تترهل ، وصحتي تتدهور ، ولا من سائل أو مجيب ، أو موصل صرختي للحبيب ، حينئذٍ قبلت رأسها ويديها وقلت : سأوصل نداءك يا محافظتي الحبيبة ( الدائر بني مالك جازان ) . فهدأت وقالت : سأعود لأمشط شعري وأغير ملابسي استعداداً لحفلة ترقيتي ، واذهب ياحبيبي لتلتمس سبيلاً يرقى أو يلقى ، وافترقنا لا شيء بيدي غير مناشدتك ياولي العهد يا سيدي .