على مدار أربع سنوات فقط، شهدت مسيرة المنتخب الإسباني لكرة القدم طفرة هائلة وتغيرا واضحا لم يكن أكثر المتفائلين من عشاق الماتادور الإسباني يتوقعه لهذا الفريق. وخلال السنوات الأربع، عرفت هذه الطفرة ثلاث محطات رئيسة في رحلة الإسبان إلى منصة التتويج الأوروبية والعالمية. وكانت أولى هذه المحطات في العاصمة النمساوية فيينا عندما فاز المنتخب الإسباني 1/0 على نظيره الألماني في ال 29 من حزيران (يونيو) 2008 في المباراة النهائية ل ''يورو 2008'' ثم جاءت المحطة الثانية في 11 من تموز (يوليو) 2010 في مدينة جوهانسبرج عندما فاز بالنتيجة نفسها على نظيره الهولندي في نهائي بطولة كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا. وأكد المنتخب الإسباني مجددا استمرار هذه الطفرة أمس الأول في العاصمة الأوكرانية كييف بفوز ساحق بأربعة أهداف مقابل لا شيء على نظيره الإيطالي في نهائي ''يورو 2012''. ولم يسبق لأي منتخب أن حقق هذا الإنجاز التاريخي بإحراز ثلاثة ألقاب متتالية في البطولات الكبيرة (كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية) بما في ذلك المنتخب الألماني الفائز باللقب الأوروبي ثلاث مرات والبرازيلي الفائز بلقب كأس العالم خمس مرات سابقة (رقم قياسي)، بل وتظل منتخبات أخرى عريقة مثل إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وهولندا بعيدة تماما عن هذا الإنجاز. ووضع المدرب لويس أراجونيس المدير الفني السابق للمنتخب الإسباني حجر الأساس في هذا الإنجاز التاريخي بقيادة الفريق للقب يورو 2008 في النمسا وسويسرا ليمنح الفريق لقبه الأوروبي الثاني حيث كان اللقب الدولي الوحيد السابق للفريق في يورو 1964. وسجل المهاجم الخطير فيرناندو توريس الهدف الوحيد في نهائي ''يورو 2008'' وذلك في الدقيقة 33 من المباراة ليقود الماتادور للتغلب على الألمان 1/0 على ستاد ''إيرنست هابل'' في فيينا. وبعدها، تولى فيسنتي دل بوسكي مهمة تدريب الفريق خلفا لأراجونيس ليواجه المدير الفني الجديد تحديا أكبر وهو السعي للفوز بلقب كأس العالم الذي لم يسبق لإسبانيا أن توجت به رغم امتلاكها أبرز وأفضل الأندية في العالم وهو ما لم يترجمه المنتخب إلى لقب المونديال من قبل. وجاءت هزيمة المنتخب الإسباني أمام نظيره السويسري في أولى مبارياته غي بطولة كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا لتزعج كثيرين وتثير القلق في نفوس عشاق الفريق خشية الخروج المبكر من البطولة وضياع حلم اللقب العالمي. ولكن الفريق استعاد توازنه سريعا وشق طريقه بنجاح إلى المباراة النهائية في جوهانسبرج والتي حسمها بهدف النجم الشهير أندريس إنييستا في الدقيقة 116 من الوقت الإضافي أمام هولندا وهي المباراة التي عززت احترام الجميع للمنتخب الإسباني رغم أنه لم يقدم في هذه البطولة ما قدمه في ''يورو 2008''. ووسط الأزمة الاقتصادية التي تشهدها بلدان عديدة في أوروبا ومنها إسبانيا، خاض الماتادور رحلته في التصفيات ثم في الاستعداد ل ''يورو 2012'' في بولندا وأوكرانيا. ولم يقدم المنتخب الإسباني على مدار الدور الأول ودوري الثمانية والأربعة المستوى الراقي نفسه الذي كان عليه في السنوات القليلة الماضية، ولكنه أكد أنه فريق يمكنه تحقيق الانتصارات في كل الظروف. وسجل الفريق أربعة أهداف رائعة في المباراة النهائية للبطولة ليبدو بلا رحمة أو رأفة في مواجهة منافسه الإيطالي (الآزوري) كما أكد أنه قد يعاني بعض التراجع لكنه قادر على استعادة بريقه عندما يتطلب الأمر ذلك. وكان لقب ''يورو 2012'' هو اللقب الثاني لدل بوسكي مع الفريق في البطولات الكبيرة وهو إنجاز لم يسبقه إليه أي مدرب باستثناء الألماني هيلموت شون الذي قاد ألمانيا للفوز بلقب يورو 1972 ثم كأس العالم 1974. وسبق لصحيفة ''لا جازيتا ديللو سبورت'' الإيطالية أن تهكمت على أسلوب دل بوسكي في عدم الدفع بمهاجم صريح في بعض مباريات الفريق في البطولة الحالية ومنها مباراة الفريق أمام إيطاليا في افتتاح مشوار الفريقين في ''يورو 2012''. ورد أندريس إنييستا قائلا ''من خلال هذا الأسلوب، نغير تاريخ المنتخب الإسباني''. ولكن الرد الأكثر قسوة جاء في مباراة الأمس حيث لعب المنتخب الإسباني مجددا بلا رأس حربة في التشكيل الأساسي ولم يدفع بتوريس إلا في آخر ربع ساعة من المباراة ولكنه حقق فوزا ساحقا على إيطاليا. وسبق للمنتخب الألماني أن توج بلقب يورو 1972 ومونديال 1974 ولكنه خسر نهائي يورو 1976 أمام تشيكوسلوفاكيا ليفشل في الفوز باللقب الثالث على التوالي في البطولات الكبيرة. كما فشل المنتخب البرازيلي في حصد ثلاثة ألقاب متتالية في بطولتي كأس العالم وكأس أمم أمريكا الجنوبية (كوبا أمريكا) حيث توج بلقب مونديال 1994 وحل ثانيا في كوبا أمريكا 1995. وتوج الفريق البرازيلي بلقب كوبا أمريكا 1997 وحل ثانيا في مونديال 1998 قبل فوزه بلقب كوبا أمريكا 1999. وسنحت الفرصة مجددا أمام البرازيل في تحقيق الثلاثية عندما فاز بمونديال 2002 وكوبا أمريكا 2004 ولكنه خرج من دور الثمانية في مونديال 2006 ليضيع الفرصة. وفشل المنتخب الفرنسي أيضا في إحراز هذه الثلاثية عندما توج بلقب ''مونديال 1998''، و''يورو 2000''، ولكنه خرج من الدور الأول في مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان. وقال إيكر كاسياس حارس مرمى وقائد المنتخب الإسباني، قبل المباراة النهائية أمس، ''نتوقع أن يتذكرنا الناس مدى الحياة. من كان يتوقع أن نحقق كل هذه الأشياء للكرة الإسبانية في غضون أربع سنوات؟''. وأوضحت صحيفة ''وول ستريت جورنال'' قبل بداية ''يورو 2012'' أن المنتخب الإسباني هو الأفضل في التاريخ، وقد يثير هذا بعض الجدل ولكن الإحصائيات لا يمكن التغاضي عنها أو نفيها .