إن التحديات التي تواجهها منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك) ليست بقليلة. كما يواجه العراق الذي يترأس الدورة الحالية لهذه المنظمة بدوره اختبارات كبيرة. فعلى المستوى الداخلي تمثل الأشهر القادمة وفق ما يقوله خبراء محطة مفصلية على طريق تثبيت قدرة حكومة نوري المالكي على تنفيذ خُطط تطوير الحقول وتأهيل منظومة التصدير والنقل والتخزين لخدمة الزيادة المتوقعة في مستويات الإنتاج الوطني. وخارجيا، تلقي الصراعات الإقليمية والدولية بثقلها على الدور الذي تضطلع به بغداد في قيادة مرحلة جديدة من عمر منظمة "أوبيك". خصوصا أن تشابك الملفات السياسية والنووية مع الملفات النفطية يُنذر بأن يصبح "النفط نقطة اشتعال .يعبر مضيق هرمز أكثر من عشرين في المئة من إمدادات النفط إلى الأسواق العالمية من كلٍّ من العراق وإيران. وهو ما يمثل خمس وثلاثون في المئة من النفط المنقول بحرا حول العالم. فقد بلغ معدّل الإبحار اليومي خلال العام الماضي سبعة عشر مليون برميل من النفط الخام. وهذا ما يجعل الدور العراقي محوريا في الحفاظ على منظمة الأوبك من الانهيار وذلك حفاظا على مصالحه ومصالح الدول الأعضاء. فالدول المتشاطئة على الخليج العربي تملك ستين في المئة من احتياطات العالم، كما أن إنتاجها يشكل أربعين في المئة من إنتاج العالم النفطي ناهيك عن الغاز. من هنا يرى د. ابراهيم بحر العلوم أنه على بغداد أن تستنهض قدراتها على حل الأزمات داخليا واستثمار العلاقات إقليميا ودوليا لتمنحه طواعية الحركة الإيجابية في إطار المصالح المشتركة. ويتطلّع العراقيون إلى يوم يخرُج فيه قطاع النفط الحيوي من عنق زجاجة التجاذب السياسي، لاستغلال الزخم الاستثماري في تطوير مواردهم البترولية وتوظيفها في التنمية البشرية. إذ يتوق العراق إلى زيادة إنتاجه خلال 2012 من 2.8 مليون إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا .ومن المتوقّع أن يحقق العراق إنجازا كبيرا قبل نهاية العام القادم بزيادة الإنتاج إلى معدّل أربعة ملايين برميل يوميا، ليتجاوز أعلى معدلات إنتاجه قبل بدء الحرب العراقية-الإيرانية. وهذا ما سيحقق عائدات إضافية بحدود خمسين مليار دولار للعامين المقبلين من شأنها أن تساهم في سد العجز في الموازنة وتحسين الخدمات وخصوصا الكهرباء. ولكن الخلاف الداخلي حول إدارة الثروة النفطية وضع الحكومة العراقية في موقف حرج. ويقول المهندس حمزة الجواهري خبير إنتاج النفط وتطوير حقوله إنه "خلافا لما يشاع حول المشاكل السياسية في البلاد وإتهام حكومة نوري المالكي بإقصاء شركائها والتفرد بالسلطة"، فإن مربط الفرس هو "التهافت على تقاسم الموارد النفطية". حكومة كردستان كشفت عن إبرام عقود شراكة إنتاج مع شركة اكسون الأميريكية في ستة مواقع، ثلاثة منها في مناطق متنازع عليها في محافظة نينوى شمال العراق. وجاءت ردود الفعل على ذلك باعتباره تحديا لتوجهات وزارة النفط العراقية. فعقود الشراكة مخالفة لعقود الخدمة المعمول بها حاليا، أضف إلى ذلك أن إدارة الثروة النفطية بموجب المادة 112 من الدستور العراقي يجب أن تستند إلى التنسيق والمشاركة بين الحكومة الاتحادية في بغداد والأقاليم والمحافظات المنتجة. وفشل الساسة العراقيون عام 2007 في التوصل إلى رؤية موحّدة تنظّم إدارة الثروات النفطية ضمن قانون الغاز والنفط. كذلك لم يجد مقترح تشكيل المجلس الأعلى للنفط والغاز طريقه إلى النور ليكون إطارا مستقلا لفض الخلافات ومظلة لرسم السياسات الاستراتيجية التي تتولى تنفيذها شركة النفط الوطنية .وإذا ما تعذّر إعادة تفعيل المقترحات السالفة الذكر فلا بد من الاتفاق على مرجعية لحسم النزاعات لا سيما حول المفاهيم الدستورية لإدارة الثروات النفطية. لذا يدعو د. بحر العلوم إلى اعتماد "المحكمة الاتحادية كخيار أمثل" تقوم مقام المرجعية المنشودة وتكون قراراتها ملزِمة لكافة الكتل السياسية بعد إقرار البرلمان لقانون هذه المحكمة. وتتفق كافة الأطراف العراقية على ضرورة تطوير قدرات النفط والغاز لجذب الاستثمارات الأجنبية. إلا أن الأزمات التي تشهدها البلاد وطرق معالجتها لا تحمل رسالة تطمينية للمستثمرين بل وأكثر من ذلك هي تنذر بتحويل نفط العراق إلى مادة قابلة للاشتعال السياسي.