يبدو أن ما قاله موشي دايان، وزير الحرب الإسرائيلي في الستينات، للصحافي الهندي كارانجيا أثناء زيارته لإسرائيل، بأن «العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبقون»، ينطبق على رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس الذي صرح بأن إسرائيل على استعداد لإعادة سيناريو نكسة حزيران في ال67 واحتلال الأراضي العربية ومنها مصر! موشي دايان صاحب القول في الستينات أول من وقع في فخ كلامه، فهو الذي اعترف بأن انتصار إسرائيل في ال67 جاء بالصدفة، دايان أيضا كان في بداية حرب أكتوبر 1973 على استعداد للإعلان عن هزيمة إسرائيل لولا تدخل جولدا مائير رئيسة الوزراء حينذاك ومنعه من القيام بذلك، لكنه لم يخف احتمال استخدامهم لأسلحة الدمار الشامل بسبب توقعه للهزيمة. وبعد الحرب شكلت لجنة تحقيق لتحديد مسؤولية التقصير والخسائر التي وقعت برئاسة رئيس المحكمة العليا د. شمعون أغرانات حيث أوصت بإقالة كل من رئيس هيئة الأركان ورئيس قسم الاستخبارات وتحويل عدد من الضباط إلى وظائف أخرى، كما أن الغضب والاحتجاج الشعبي أدى إلى استقالة كل من دايان وجولدا مائير. ومما قاله دايان حرفيا: «إن الأهم بالنسبة للإسرائيليين والعالم الاعتراف بأننا لسنا أقوى من المصريين، وإن حالة التفوق العسكري الإسرائيلي قد زالت وانتهت إلى الأبد، وبالتالي فإن النظرية التي تؤكد هزيمة العرب «في ساعات» إذا ما حاربوا إسرائيل فهي خاطئة». بعبارة أخرى أدرك دايان مبكرا أنه لولا تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية المباشر ومد جسورها الجوية وتسخير كل طاقاتها التكنولوجية وأقمارها الصناعية وتعويض الجيش الإسرائيلي عن كل طلقة أطلقها، بل وتفريغ مخازنها المليئة بالأسلحة والمعدات الحربية المتطورة ونقلها لإسرائيل، لجاءت نتائج الحرب مغايرة تماما لصالح الجيوش العربية ولهزمت إسرائيل شر هزيمة. فهل يدرك رئيس الأركان غانتس أن أي حرب له ضد العرب تحتاج إلى دعم الولاياتالمتحدةالأمريكية خصوصا، والغرب عموما؟ وهو العامل الأهم عند تقدير الموقف التعبوي الذي يؤسس لأمر العمليات؛ صحيح أن إسرائيل تملك شهادة تأمين أمريكية على الحياة دائمة ما دامت أمريكا قوية وقادرة، لكن قدرة أمريكا تتأثر بمصالحها، ولا شك بأن إسرائيل لاعب أساسي في توجيه هذه المصالح، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن وضع الولاياتالمتحدة في الستينات مختلف عنه اليوم، حيث لم تكن أمريكا وجيشها رهائن في العراق وأفغانستان وباكستان ولم تكن الأزمة الاقتصادية الأمريكية والعالمية، وكذلك دول الغرب الأوروبية المهددة بالانهيار حيث كانت الداعم الرئيسي لإسرائيل بعد أمريكا، ولم تكن إسرائيل مكشوفة أمامها كما هي اليوم، حيث طالب تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي في القدسالمحتلة الذي صدر حديثا بفرض عقوبات اقتصادية على المنتجات الاستيطانية أو ما يدعمها، ولم تكن إسرائيل معزولة وقياداتها السياسية والعسكرية ملاحقة ومطلوبة للعدالة الدولية أمام محكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب. من الجانب العسكري فلا يختلف اثنان على أن ميزان القوى العسكري ما زال مختلا لصالح إسرائيل، ومن خلاله أحرزت وتحرز التفوق في الميدان، لكن ذلك لم يجلب لهم نصرا أو حسما أو كسر إرادة ولن يجلب، بل جلب لهم سقوطا أخلاقيا من خلال الاستخدام المفرط للقوة التدميرية بديلا عن المواجهة الميدانية وارتكابهم جرائم حرب خاصة في لبنان وفلسطينالمحتلة ساهمت في عزلتهم الدولية، وتراجع في أدائهم العسكري وتآكل في قوة ردعهم والخلل في جبهتهم الداخلية، وضاعفت الحقد والكراهية عليهم. وفي الضفة الغربية من فلسطينالمحتلة تحول جيشهم إلى جيش مداهمات لغرف النوم والناس نيام، جنودهم على الحواجز يتفننون في تعذيب الأطفال والنساء والشيوخ همهم الأكبر كيف يعاقبون الشعب الفلسطيني ويتلذذون في حرمان الأطفال من مرافقة آبائهم وأمهاتهم ومنعهم من اجتياز الحواجز المؤدية إلى القدسالمحتلة لأداء فرائض الصلاة في المسجد الأقصى، كما يمارسون ساديتهم في إجبار الفلسطينيين على خلع ملابسهم أو إكراههم على ممارسة طقوسهم الخارجة عن المألوف، وينتصرون حينما يتصدون لمسيرة الإعلام الفلسطينية ويمنعونها من مواصلة السير انطلاقا من مدينة أريحا والمدن الفلسطينية، ويجاهرون بعنصريتهم بمنعهم اختلاط الفلسطينيين بالإسرائيليين في الحافلات الإسرائيلية، ويحرسون المستوطنين في اعتداءاتهم على البشر والشجر والحجر، خاصة دور العبادة، وغيرها من الممارسات اللاأخلاقية التي شملت فلسطيني ال48 وإصدار التشريعات والقوانين العنصرية ضدهم. لذلك هناك فرق كبير بين جنود الميدان ومواجهة الرجال، وبين جنود العقاب على الحواجز ومواجهة الأطفال والنساء. بالمقابل تضاعفت قوة العرب شعوبا ومقاومة وجيوشا ومؤسسات أمنية واستخبارية ومعدات حربية وبرهنت المواجهات الميدانية الأخيرة على ذلك سواء في ميادين القتال أو مسارح العمل الاستخباري، إضافة إلى ذلك ما يجري من تطورات في العالم العربي الذي تعتبره إسرائيل تحديات أمنية جديدة.