في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وافقت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي على قبول عضوية كرواتيا في الاتحاد الأوروبي ب65 صوتاً مقابل صوت واحد. وبعد أسبوعين كان البرلمان يقر في هيئته العامة بشبه إجماع أن تكون كرواتيا عضواً كامل العضوية في الاتحاد، بدءاً من الأول من يوليو/ تموز 2013 لتكون الدولة ال28 في الاتحاد. في القمة الأوروبية التي انعقدت في التاسع من الشهر الجاري قرر الاتحاد الأوروبي رسمياً اعتماد توصية البرلمان الأوروبي وإدخال كرواتيا في الاتحاد. كرواتيا بدأت مفاوضات العضوية الكاملة في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 2005. بماذا يذكّر هذا التاريخ؟ إنه التاريخ نفسه الذي بدأت فيه مفاوضات العضوية مع تركيا. بعد ثماني سنوات من ذلك ستصبح كرواتيا عضواً كامل العضوية، فيما سيكون على تركيا استكمال المفاوضات حول الفصول ال35 المطلوبة لدخول الاتحاد. وهي حتى الآن لم تتم سوى عدد قليل منها، فيما ثمانية فصول منها مجمدة، ستمضي سنوات كثيرة قبل أن تكمل أنقرة الفصول المطلوبة وقد لا تأتي أبداً هذه اللحظة. البيان الذي صدر عن القمة الأوروبية الأخيرة تضمن بوضوح إشادة بدور تركيا الإقليمي في البلقان والشرق الأوسط، وأشاد أيضاً بنزاهة العملية الانتخابية في يونيو/ حزيران الماضي، والحرب على الإرهاب المتمثل، بحسب البيان، بحزب العمال الكردستاني. لكنه امتلأ أيضاً بالانتقادات على القيود المفروضة على حرية الصحافة، واعتقال الكتّاب والمثقفين والفنانين، والموقف من الأقليات، وانتقد أيضاً الموقف التركي من جزيرة قبرص. قبرص سوف تترأس الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من العام المقبل "2012". وقد أعلنت تركيا أنها سوف تجمد علاقاتها مع الاتحاد طوال فترة ترؤس قبرص للاتحاد. وهو ما أثار استياء أوروبا الشديد التي طالبت أنقرة باحترام آليات عمل الاتحاد الأوروبي. انعقدت قمة الاتحاد الأوروبي وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة في أوروبا تهدد حتى وحدة الاتحاد. وقد كانت معارضة بريطانيا والمجر قرارات الاتحاد الاقتصادية مؤشراً على ذلك، وإن كانت بريطانيا في الأساس خارج منطقة اليورو، حيث احتفظت بوحدتها النقدية الخاصة بها، وقد لا يكون هناك اهتمام بموضوعات أخرى مثل علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي. قمة الاتحاد الأوروبي أعقبها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بمقالة في جريدة "لوموند" الفرنسية، ويجيب فيها عن التساؤلات حول عضوية تركيا، فيقول: إن المرحلة المقبلة لعضوية الدول الأوروبية الأخرى فيما تبقى عضوية تركيا مؤجلة للبحث بعد اكتمال توحيد أوروبا. عزف ساركوزي مجدداً على الواقع الجغرافي لتركيا، لم تعد الحجج الأوروبية تتصل بالدين، ولو شكلاً، لأن هناك دولاً أوروبية مسلمة تنتظر دورها الآن، وبعد سنوات للانضمام وهي ألبانيا والبوسنة وكوسوفا التي لا يمكن لاعتبارات جغرافية أن تبقى خارج الاتحاد، رغم "حساسية" أن تكون دولة مسلمة ولو صغيرة عضواً في الاتحاد، ولها مثل أي دولة كبرى حق الفيتو بمفردها على أي قرار، ولو اجتمع كل الباقين عليه. وهو ما تفعله جمهورية قبرص اليوم بوضعها الفيتوات على ما يتصل بالعلاقة الأوروبية التركية. ساركوزي أشار في مقالته إلى ما مفاده أن تركيا ليست جغرافياً دولة أوروبية. وهو الخطاب نفسه الذي كان سبقه إليه الرئيس السابق جاك شيراك عندما قال إن تركيا ليست في القارة الأوروبية، بل في قارة آسيا. المواقف الأوروبية من تركيا ليست جديدة، لكن أوروبا تمعن في رفض تركيا رغم الصورة المتعاكسة: أزمات أوروبية اقتصادية لا تنتهي مقابل نمو كبير في الاقتصاد التركي. وتركيا حتى الآن لا تزال خارج التأثيرت المميتة للأزمة الاقتصادية الأوروبية. لذلك فإن التساؤل بات ممكناً حول ما اذا كانت تركيا لاتزال تؤمن بحتمية الانضمام إلى الاتحاد، علماً أن مسؤولين أتراكاً ألمحوا مؤخراً إلى هذا الاحتمال، حيث تمضي تركيا في نهج خاص بها يوفّر لها مكاسب في بعض المجالات بمعزل عن العضوية الأوروبية، بل لأنها ليست عضواً في الاتحاد. لم تعد تركيا مع تقدمها في التنمية الاقتصادية والأمل في أن تستكمل تنميتها السياسية والتاريخية بالمصالحة مع مشكلات الأقليات المتنوعة، في الوضع نفسه الذي كانت عليه سابقاً. تركيا من دون الاتحاد الأوروبي؟ ولم لا؟!.