لقد خلف لنا النظام خلال العقود الأربعة الماضية إرثا كبيرا من الثقافات والسياسات والممارسات المقيتة والتي أثرت تأثيرا سلبيا في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ ويجب العمل على إزالة آثارها التي تظهر من حين إلى آخر في ثقافاتنا وتصرفاتنا وممارساتنا وحياتنا اليومية، فثقافات وسياسات وممارسات الإقصاء والاستحواذ والتآمر ونشر الفساد والفتن ونشر القبلية والجهوية والتخويف والترهيب والكبت ومصادرة الحريات والقمع والاستبداد والقهر والتشريد والتنكيل والتعذيب والقتل، كلها مورست ضد الشعب واستخدمت كأدوات للتحكم والسيطرة والبقاء في السلطة. فقد نشر النظام الفساد المالي والاقتصادي والأخلاقي الممنهج إلى أن وصل إلى مقاييس لا مثيل لها، واستخدمه لإخضاع الناس والتحكم فيهم وتوجيههم، وترسيخ تخلف المجتمع، ومكنهم من جمع ثروات هائلة "نراها الآن منتشرة في كل أنحاء المعمورة". كما استخدم سياسات التفريق والتمزييق "فرق تسد" وهي سياسة استعمارية قديمة، وقد اعتمد في ذلك على نشر القبلية والجهوية والانتماء القبلي، وبث الفتن بين القبائل وتحريضهم بعضهم على بعض، كما استعمل كثيرا من الشعارات التي تبدو للوهلة الأولى شعارات ثورية، ولكن غرضها هو تفريق الناس ونشر الفتن بينهم، مثل شعارات "البيت لساكنه"، و"التجارة ظاهرة استغلالية"، و"شركاء لا أجراء" وغيرها. ومارس النظام التخويف والرعب والإرهاب كسياسة اتخذها من بداياته الأولى، وهي تعتمد على نشر أجهزة الأمن في كل مكان ومتابعة الناس وإيهامهم بأنهم مراقبون، ونشر الإرهاب والرعب في النفوس بالقتل والإعدامات في الشوارع والميادين العامة. كما صادر الحريات وقتل كل أشكال التعبير والإبداع وأغلق كل أبواب التداول السلمي للسلطة "توريث الأبناء"، بالإضافة إلى أبشع أساليب القمع والتشريد والتعذيب والقتل التي قام بها ضد معارضيه وأتباعه على حدا سواء. كما تحيز النظام بالكامل للتخلف ورسخه بعدم الرغبة من تقديم أي نموذج للتحول الاقتصادي والاجتماعي، وإيقاف كل خطط التنمية وعدم تحقيق الأهداف التنموية في التعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفقر وعدالة التوزيع وغيرها، وأبقى ليبيا دولة متخلفة وفقا لكل مقاييس التنمية بالرغم من الطفرة النفطية، فليبيا أصبحت حكومة غنية لشعب فقير. وأصبح النظام يعيش حالة انفصال كبيرة عن الواقع، بين ما يعلن من مبادئ الحرية وسلطة الشعب والعدالة الاجتماعية، وشعارات السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب، وبين الواقع المعاش المتصف بالكبت ومصادرة الحريات والاستغلال والفساد والفقر وغيرها من مظاهر هذه السياسات والممارسات المقيتة، مما خلق فراغا كبيرا بين ما يعلن ويتم الدعاية له وبين الواقع المعاش. ولذلك فإن الانتصار الحقيقي للثورة ليس فقط بتحرير الأرض واستبدال حكام بآخريين ولكن بالانتصار على النفس ومحو سوادها والآثار العالقة بها، وهزيمة الثقافات والسياسات والممارسات االمقيتة التي مورست لأكثر من أربعة عقود، واستبدالها بأخرى تؤسس على القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة والعمل الجاد، والتي حددها وأطرها بكل دقة ديننا الإسلامى الحنيف فأخذها غيرنا وطبقها وحصد نتائجها، محبة وألفة وتقدم وازدهار وروح إنسانية راقية، بينما صنعنا نحن منها شعارات وتيارات سياسية ممارساتها على الأرض عكس شعاراتها وما يدعو إليه ديننا الإسلامى الحنيف من التضحية والمروءة والحب والإيثار والنجدة والتسامح والمهارة والإبداع والعمل الخلاق لبناء القوة التي تصنع التقدم. لقد حان الوقت لوضع برنامج طويل المدى للقضاء على هذه الثقافات والسياسات والممارسات المقيتة ومحو آثارها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والنفسية.