الأشياء المبينة في المرآة أقرب من الواقع الساعة 12: 27 صباحاً انفصل التيار الكهربائي صوت التكييف تلاشى، أزيز الثلاجة توقف، و كل شيء غرق في العتمة خلا نور الشاشة التي تقابلني، أطفأ الشاشة، الهدوء يتكاثر في الهواء و لا أرى السقف، أبحث عن الدَرَجْ، أتلمس الدرابزين و أمسكه بقوة، و أتفقد موضع قدميّ لأضعهما بحرص على أول عتبة، و أجر خطاي إلى الأعلى، درجة درجتين ثلاث و .. روحي ترتفع للأعلى، لأقصى نقطة من العتمة، أتوجه إلى الشرفة، أفتح الستائر و عيناي تبحث عن النور، لا شيء، لا شيء أبداً، حتى أضواء الشوارع نائمة، سعف النخيل يتمايل - أحس بذلك - ، و الديك يصيح، الديك يرى الملائكة و أنا لا أراها، و أبحث عن النور . أتحسس جسد الجدار، أحفظ الممر، أستذكر الرائحة، أمسك بعروة الباب، أشعر بها باردة، ثقيلة، أديرها بهدوء و أدلف إلى الغرفة، و عبثاً أشعل النور، و روحي تنطفئ ! أفتح الصنبور، الماء ضعيف، الماء لا يصل إلى الطابق العلويّ إلا بالكهرباء، أتوضأ بما بقي، أحس بالطهر فالعتمة، هذه المرة الأولى التي أشعر بالورود الصغيرة التي تطرز أطرافه، لا أتذكر لونها، هل كانت وردية أم صفراء؟ و أصلي، كل شيء يتشابه في العتمة، الألوان غائبة، لا داعي لأن نفرط بالتجّمل، نحن متساوون، متشابهون و لا شيء يشكل الفرق، و الله يراني . أقترب من المرآة، أبحث عن ملامحي، و لا أجدها، أنا لا أرى سوى نصف وجهي، نصف ناقص - لا أكثر - ، و صوت أبي الذي قال لي في يوم مضى، أني سأكبر، و سأتحول إلى فراشة ألوانها فاقعة، شيء ما يسقط في أعماقي، شيء ما يتكسّر في الصمت، و ينسكب على أرضية الغرفة، الرائحة قوية، لاذعة، أحاول أن أتذكر هذه الرائحة . أمسك بمنديل، أحاول أن أمسح العطر، المنديل يتشرب الرائحة، و العطر لا يكتفي بحدود المنديل، فيزحف إلى أنفاسي، تتشربّه بشرتي، و ينام على كفي، أنا معبأة بالعطر، و وجهك مكتمل في العتمة، و لازلت أبحث عن نصف وجهي الضائع، الشظايا لا تجرحني لأني حادة كسكين، فأنا هشّة كعصفور، خاوية كبئر معطلة، و السواد تحت عينيّ يتماهى مع هذا الكون المنطفئ، و لا شيء يستطيع أن يثبت العكس، و لا حتى أنتْ، و النور بعيد . أفتح الدُرج الأوسط، أبحث عن صندوق المجوهرات، أفتحه، أبحث عن الخاتم الذي أهديتني إياه، شيءٌ ما يجعله أفضل منك، فأنا أعرفه في العتمة كما في النور، الخاتم يطوق إصبعي بإحكام، و تعب الالتفاتاتِ يتمددُ على عنقي، و وجه الحب مكلوم كوجهي، أتسلق السرير، أتلمس الشراشف الغائبة بيدٍ عمياء، حدسي ينام بقربي، قلبي يخفق بقوة، قلبي لم يخفق منذ سنوات، منذ أن وقفت أمام وجوه الطالبات أعرض بحثاً عن الضحايا، دور الضحية لم يعد جذاباً، كل ما فيه بات مضحكاً بأسى، دور الضحية للضعفاء لمتعاطي المخدرات و للمشردين و ليس لمن هم من أمثالي، أتمدد و وجوه الطالبات تتناسل من الذاكرة، صوت الأستاذ يبدو غائباً، تختفي الوجوه، يختفي الصوت، و وجهك يتلبسني، أين النور؟ .