كان معلمي، بيده ملف مزركش داخله مجموعة أوراق، قال لي بحرص الأب هذا علاج مستقبلك قبل الحلم / بعد الحلم، تناولت الملف، مكتوب أسفله بخط صغير (نصيحة تعليمية: التعلم في الصغر كالنقش على الحجر).. وآخر ورقة داخل الملف مكتوب في أوسطها ( تحذير طبي : الأحلام سبب لأمراض القلب والشرايين، ونزيف العمر، وتخثر الفرح ).. كانت تلك الكلمات تثير في نفسي ابتسامة غامضة، عندما استوقفني رجل المرور وسيم، ذكر أشياء كثيرة عن السرعة.. الموت..الحوادث.. وربط الحزام.. لم ألتقط أكثر من ذقنه المشذبة بعناية، ألهمني تلك الليلة كتابة نصوص نثرية عرجاء .. كنت فخورا بمعلمي لقدرته على التأثير وتخريب سير الحلم، وقلب الاستلهام باطلا، أو الباطل حقيقة، ومع الوقت وصلت منزلنا متأخرا، شغوفا للتفحص بتلك المجموعة من الأوراق داخل الملف المزركش، ولان الوقت متأخرا حرصت لقراءة ورقتين فقط يقول فيها: في إحدى مدارسنا الابتدائية سأل المعلم أحد طلابه وقال له: أعطيتك قلم وقلم وقلم، فكم قلم لديك الآن؟ فبدأ الطفل العد على أصابعه ثم أجاب: (أربع!). استنكر المعلم تلك الإجابة وظهر على وجهه علامات الغضب، خصوصا بعد شرحه المطول لتلاميذه في درس الجمع من حصة الرياضيات، فكان ينبغي أن يتوصل الطفل إلى الإجابة الصحيحة وهي (ثلاثة). وأعاد المعلم عليه السؤال مرة أخرى فربما لم يستوعب الطفل في المرة الأولى، وكرر: أعطيتك قلم وقلم وقلم، فكم قلم لديك الآن ؟ فبدا بالعد مرة أخرى وهو يتمنى أن يرى ابتسامة الرضا على وجه معلمه،فبدأ يركز أكثر ويعد على أصابعه، وبعدها قال بشكلٍ متيقن (أربع يا أستاذ!). فازداد غضب المعلم وأدرك أنه أحد أمرين: إما أنه معلم سيئ فاشل لا يجيد توصيل المعلومة بشكل صحيح لطلابه، أو أن هذا الطفل غبي. وبعد لحظات من التفكير قرر المعلم أن يجرب مرة أخرى ولكن هذه المرة بحاجة أخرى محببة لدى الأطفال بدلاً من القلم، وذلك من باب تحفيز الذهن، فسأله: أعطيتك كرة وكرة وكرة، فكم كرة لديك الآن ؟ وبعد العد على الأصابع أجاب الطفل (ثلاث) ففرح المعلم فرحا عظيما، حيث أدرك أن تعبه لم يذهب سدى، وأثنى على الطفل. حينها قال - في نفسه- سأعيد سؤال الأقلام مرة أخرى للتأكد من فهم الطفل واستيعابه لدرس الجمع، فأعاد السؤال الأول: أعطيتك قلم وقلم وقلم ، فكم قلم لديك الآن؟ وبدأ الطفل يعد بحماس وثقة أكبر ثم أجاب (أربع يا أستاذ!) فسأله والغضب يتطاير من عينيه كيف؟ رد الطفل: لقد أعطيتني ثلاث أقلام وأنا في يدي الآن قلمي اكتب به في كراستي فأصبح مجموع الذي لدي الآن أربعة أقلام! من هذه القصة ندرك أنه: لا يجب علينا أن نحكم على إجابات أو وجهات نظر الآخرين إلا بعد معرفة الدوافع والخلفيات التي وراءها. اجعل وجهات نظرك وقناعاتك مرنة تتقبل وجهة نظر الآخر، احرص دائماً على معرفة ما الذي وراء القناعة أو وجهة النظر، كي تتمكن من الحكم عليها فهذه الطريقة ذات تأثير سحري خاصة عند استخدامها مع اليافعين الذي يكونون قناعات خاطئة، ولكننا لن نستطيع تغييرها إن لم ندرك ونكتشف ماوراء تلك القناعات ونلامس ما بداخلهم وما الذي يصنع تلك القناعات. المعلم لم يكتشف صحة إجابة تلميذه وخطأ اعتقاده إلا بعد أن سأله كيف حصل على تلك الإجابة، فعندما تواجه وجهة نظر أو معتقداً يظن صاحبه انه صحيح فاسأله: كيف ولماذا يظنه صحيحا؟ واسأل نفسك أيضا: لماذا تظنها خطأ؟!