تحول الملف الليبي وإلى حد قريب الملف السوري إلى مادة للسجال بين صناع القرار في واشنطن، ومعاهد الأبحاث والدراسات ليتحول الى قلق من دور روسي في الشرق الأوسط على حساب واشنطن. ففيما تتبنى المعاهد المعروفة مثل معهد هدسون، ومعهد واشنطن، ومعهد ولسن سنتر وغيرها مقولة "دعم الديمقراطية في العالم العربي"، و"مساندة الثورات الشعبية"، فإنها في نفس الوقت تدق ناقوس الخطر من أن المصالح الأميركية تتعرض الى الخطر في حال وصول الجماعات الراديكالية الى السلطة عن طريق انتخابات ديمقراطية، الأمر الذي يفسر من وجهة نظر المحللين، إقدام إدارة أوباما على الحوار مع جماعات الإخوان المسلمين وبدأت بفرعهم المصري. وفي نفس الوقت تستقبل ممثلين عن المجلس العسكري الذي يسيطر على الوضع في مصر الى الآن ويعتقد بأن دوره سيكون حاسما في الانتقال نحو نظام جديد لا تريده واشنطن عدوا لإسرائيل وحليفا لها في منطقة لن تستقر في المدى القريب المنظور وفق رأي غالبية معاهد الأبحاث الأميركية. ويثير الباحثون الأميركيون أسئلة يقولون إنها تعكس صدى التساؤلات في العالم العربي مثل: لماذا وضعت واشنطن وحلف الناتو العقيد معمر القذافي على قائمة الأنظمة التي يجب إسقاطها بالعمل العسكري ولم تفعل نفس الشيء مع النظامين في دمشق وطهران. وهذان النظامان يعتبران وفقا لمعايير أميركا "الديمقراطية" نظامين قمعيين ودكتاتوريين. وفي الشأن الليبي ينبري السفير الأميركي السابق لدى الأممالمتحدة، جون بولتون المعروف بأنه من عتاة اليمين وأحد أكثر الساسة عداء للروس وللعرب على حد سواء ليدق جرس الإنذار مما يطلق عليه "تصاعد الدور الروسي في ليبيا نتيجة تراجع الدور الأميركي". ويقول بولتون في ورقة بحثية نشرها "معهد المشروع الأميركي" حيث يعمل بعد عمر دبلوماسي طويل اتسم بخطاب عدائي على الدوام: "الأمر المقلق والخطير رؤية دول حلف الناتو تغازل موسكو وتطلب ود روسيا". ويضيف: "لقد انتصر الحلف على روسيا في الحرب الباردة وجعل النفوذ الروسي يتقلص الى حد التضاؤل في أوروبا". ويقول: "نرى اليوم كيف أن أعضاء الحلف لا يكتفون بعناق روسيا فقط، بل إن إدارة الرئيس أوباما، تلجا الى الجهود الروسية في ليبيا".وتجمع غالبية التعليقات الأميركية على أن عامة الشعب الأميركي تدير ظهرها عن سياسات واشنطن العسكرية في العالم ليس خوفا من الحرب بل نتيجة المخاوف الاقتصادية. فالولايات المتحدة تخوض كل حروبها عبر الأطلسي ولم يتطاير شررها الى عقر دار الأميركيين غير مرتين، قصف ميناء بيرل هاربر أثناء الحرب العالمية الثانية من قبل الانتحاريين اليابانيين، وما يعرف حسب وصف القاعدة ب"غزوة نيويورك" في أيلول (سبتمبر) 2001. وفي الحالتين لا يمكن مقارنة الخسائر المادية والبشرية بما أصاب أوروبا، حليفة واشنطن في الحروب على مدى القرن الماضي. معاهد الأبحاث الأميركية المرتبطة بجماعات الضغط المختلفة قلقلة من أن الوضع في ليبيا قد يفرض على واشنطن وحليفاتها أن تعترف بأنه غير قابل للحسم عسكريا، وأنه يجب خفض جناح السلم مع القذافي، يخلق معادلة دولية تبرز روسيا على الساحتين الدولية والإقليمية على أنها لاعب شطرنج ماهر يتوقع حركات الخصم ويستفيد من عثرات بيادقه إلا أنها تفضي في نهاية المطاف الى تشويش صورة أميركا مطلقة القوة والتي تحسب لكل الاحتمالات. ويذهب خبراء السياسة الأميركية الى الاعتقاد بان تراجع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن تصريحاتها بشان "شرعية" نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يعكس تخبطا أميركيا في ملف سورية. يذكر أن الخارجية الأميركية انقطعت، أربعة أيام بعد تصريحات كلينتون عن الإيجاز الصحافي اليومي في محاولة واضحة لاحتواء ما نطقت به رئيسة الدبلوماسية الأميركية المعروف عنها حذرها في إطلاق التصريحات . ويرى أنصار نظرية الخوف من تعاظم الدور الروسي إقليميا على حساب أخطاء إدارة أوباما في الشرق الأوسط أن انسحاب كلينتون عن رفع شرعية الأسد، يهدف الى إبقاء كل الخطوط مفتوحة مع دمشق كي لا يضطر البيت الأبيض للجوء الى الكرملين الذي يلتزم بموقف لا يعادي الأسد ولا يرغب في الإطاحة به، ويحض معارضيه على التفاهم مع النظام.