نشب قتال شرس واندلعت أعمال عنف أخرى في غاية الشدة هنا وهناك في مختلف أنحاء الشرق الأوسط كما لو أنها أخذت من شمس الصيف الحارقة جذوة . والخطورة تكمن في أن تتصاعد حدة إحدى هذه الصراعات المحلية السيئة ، وتتحول إلى حرب شاملة . 2- وانتقاماً لكمين نُصب لقافلة عسكرية تركية في 17 آب من قبل مقاتلي حزب العمال الكردستاني ، والذي ُقتل فيه ثمانية جنود وأصيب خمسة عشر آخرون بجروح ، قام سلاح الجو التركي ، بعد مرور أيام قليلة ، بضرب قواعد ومخابئ الحزب في جبال قنديل شمال العراق . ويقال إن العشرات من المسلحين لقوا مصرعهم . وسوف يؤدي تفاقم الحالة إلى وضع حد مؤقت لمحاولات أنقرة للتصالح مع الأكراد بمنحهم المزيد من الحقوق وهي سياسة كانت تأمل في أن تسلب المتمردين التأييد الشعبي . 3- وفي المقابل ، اكتسحت العراق في منتصف آب موجة من الهجمات المدمرة في أجزاء مختلفة من البلاد أسفرت عن مقتل 68 شخصاً وإصابة أكثر من 300 . وعلى الرغم من عدم إعلان أي جماعة مسؤوليتها عن الهجمات ، فإنها كانت دليلاً آخر على الأضرار الكارثية التي لحقت بدولة العراق بسبب الغزو الأمريكي في عام 2003 ، والاحتلال الطويل الذي أعقب ذلك . ومن الواضح أن الحكومة لا تزال غير قادرة على توفير الحد الأدنى من متطلبات الأمن ، وأن هذه الهجمات قد نجمت ، على الأرجح ، عن التقارير التي تفيد بأن القوات الأمريكية تخطط للبقاء في العراق بعد نهاية السنة ، وهو الموعد المتفق عليه لانسحابها النهائي . 4- وفي ليبيا استولى المقاتلون أخيراً على طرابلس . يبدو أن نهاية معمر القذافي أصبحت قريبة جداُ . ومع ذلك ، فإن إعادة بناء الأمة بعد حكم اتصف بغرابة الأطوار وبالوحشية وبالشخصنة المفرطة امتد 42 عاماً لن يكون بالمهمة السهلة . هناك اختلافات كبيرة بين شرق البلاد وغربها ، ناهيك عن قبائل البربر في صحاري الجنوب . وعلى الأقل ، سوف تستفيد ليبيا الكثير من عائدات النفط التي لديها لإعادة إعمار البلاد ، على عكس البلدان الفقيرة بالنفط مثل تونس واليمن وسورية وحتى مصر نفسها ، وكلها تتصارع مع مشاكل اقتصادية خطيرة . 5- وفي مكان آخر أبعد من ذلك ، تعاني باكستانوأفغانستان على حد سواء من صراعات تزداد حدتها يوماً بعد يوم . وتبدو باكستان أنها في خطر انهيار وشيك بسبب ضخامة التوترات الداخلية . بينما في أفغانستان ، فليس هناك أي مكان في مأمن من هجمات طالبان ، ولا حتى في كابول ، العاصمة التي تحيط بها تحصينات قوية للحماية . وفي أوروبا والولايات المتحدة ، أصبحت الآراء اليوم ، أكثر من أي وقت مضى ، تشكك في الحكمة من استمرار تورط الغرب في الحرب . 6- وكالعادة ، فإن اشد مناطق الصراع تفجراً هي التي بين إسرائيل وجيرانها . ففي 18 آب ، ُقتل سبعة إسرائيليين وجرح العشرات في سلسلة من الهجمات على الحافلات والسيارات المتجه إلى ايلات عبر صحراء النقب بالقرب من الحدود المصرية . وتشترك إسرائيل ومصر بحدود طولها 240 كم عبر الصحراء إلى البحر الأحمر في ايلات وطابا . كان هذا الهجوم الأشد عنفاً على إسرائيل منذ ما لا يقل عن أربع سنوات . 7- وفي المطاردة الساخنة التي جرت وراء المهاجمين ، دخلت القوات والطائرات الإسرائيلية الأراضي والأجواء المصرية وقتلت خمسة من رجال الشرطة ، وهو الحادث الذي تسبب في موجة من الغضب في القاهرة . واظهر إلى السطح الغضب الكامن والمقت من إسرائيل . وُأحرقت الأعلام الإسرائيلية ، وطالبت الحشود بطرد السفير الإسرائيلي . ولا يشعر الرأي العام المصري سوى بالعار للطريقة التي تواطأ فيها حسني مبارك ، الدكتاتور السابق ، مع إسرائيل ، ولا سيما في حصار مليون نصف من الفلسطينيين في غزة . ويجري الآن تفريغ معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979 من مضمونها ، وهي المعاهدة التي نزعت مصر العربية من خط المواجهة ، وأعطت بالتالي إسرائيل رخصة كبيرة لضرب جيرانها الآخرين متى أرادت . 8- وتطالب مصر باعتذار من إسرائيل وبالتعويض عن مقتل أفراد الشرطة الخمسة ، بالطريقة نفسها التي تطالب بها تركيا باعتذار وبتعويضات من إسرائيل عن مقتل تسعة أتراك على أيدي القوات الإسرائيلية على ظهر السفينة التركية مرمره عندما حاولت كسر الحصار المفروض على غزة . 9- إن الهجمات على الحافلات الإسرائيلية عبر الحدود في سيناء النقب يمكن أن تكون من عمل جماعة إسلامية فلسطينية متطرفة ، أو مجموعة غاضبة من سكان شبه جزيرة سيناء من البدو الرحل الذين عانوا من الغلظة في المعاملة من جانب إسرائيل ومصر على حد سواء . وهؤلاء البدو يتطلعون إلى تحقيق المزيد من الحكم الذاتي ، وبات من شبه المؤكد أن الجماعات المتشددة منهم هي المسؤولة عن الهجمات المتكررة على خط الأنابيب الذي ينقل الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل . 10- ورغم أن حماس نفت بشدة وجود أي علاقة لها بهجمات طريق ايلات ، فإن رئيس الوزراء سرعان ما ألقى مسؤولية هذه الهجمات عليها . وبطريقة حافظت عليها طيلة الوقت ، قصفت الطائرات الإسرائيلية قطاع غزة الأعزل ، مما أسفر عن مقتل 20 مدنياً على الأقل وجرح ضعف هذا العدد بكثير ، وتسبب في أضرار مادية . ونظراً لعزمها الحفاظ على بعض عناصر الردع ، أطلقت بعدها حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة وابلاً من الصواريخ إلى داخل الأراضي الإسرائيلية . وهكذا تمت تهيئة المسرح لمواجهة أوسع نطاقاً . 11- وقد أعلن وزير الدفاع أيهود باراك ، في صورته العدوانية المعتادة ، أنه ” سيتم قطع رأس هؤلاء الذين يعملون ضدنا ” . ويبدو أنه مثل غيره من أعضاء حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة ، يدرك أن سلوك إسرائيل العدواني والتوسعي هذا إنما يكدس الكراهية ضدها ويؤدي إلى تقويض أمنها في المستقبل .