استطاع القاص علي السعلي ان يعبر بحضور امسيته القصصية الى آفاق الماضي البعيد والغوص في ازقته من خلال استحضار صور العيد ومشاهده في تلك القرى وكانت الامسية التي ادارها الاستاذ ناصر بن محمد العمري رئيس النشاط الثقافي بتعليم المخواة قد استهلت من قبله بقوله ان العيد يمثل موسماً لاختبار الذاكرة واستدل بتقاطع المذيعين معه سنوياً في سؤالهم التقليدي كيف تنظر للعيد في الماضي مقارنة بعيد اليوم؟ وتهافت الكتاب في الصحف على سرد ذكرياتهم فيه وتسابقنا في بيوتنا ونحن نقص لابنائنا ذكرياتنا مع العيد وعودة جحافل سكان المدن من ابناء القرى الى سقط الرأس في مواسم هجرة جماعية لاستحضار عيد الماضي وبحثاً عن رائحة " اعياد الطفولة " فيما تسهم معطيات العصر الحديث والتي من ابرزها على الاطلاق المواقع الالكترونية التي خلقت نوعاً من الناستولجيا والحنين الجارف للماضي وعيد زمان وتحولت الى شاهد الكتروني على ماضي العيد في المملكة العربية السعودية حتى تحظى تسجيلات العيد القديمة على " موقع اليو تيوب " بزيارات اعداد مهولة من السعوديين واكد ان عيد الماضي ما يزال حاضراً بقوة من خلال حضور " المرقوش - العيش - الجريش - والمثلوثة " كأكلات تنافس بحضورها القوي اصناف الحلويات الفرنسية والشوكلاتة المستوردة لتأتي القصة كفن قادر على استحضار ذلك الزمن وتبرز لنا صوراً منه وهو ما تنبه له القائمون على الملتقى وادركوا اهميته فكانت هذه الامسية القصصية . ثم بدأ في التعريف بفارس الامسية من خلال قراءة السيرة الذاتية للاستاذ علي بن حسين الزهراني الذي وصفه بالشاعر والاعلامي والتربوي والقاص والناقد وتمنى لهم رحلة ممتعة مع " ذكريات وصور العيد في القرى " بعد ذلك القى القاص علي السعلي عدداً من نصوصه منها نص عيد الدام الذي تحدث فيه عن الكثير من الصور والمشاهد المستلة من الماضي البعيد وعرج من خلاله على الكثير من المواقف التي تحكي عن شجاعة الرجال وغاص بالحضور في اعماق الماضي حيث نقل مقاطع من تلك الايام بلغة سردية ماتعة استحضرت الوادي والسهل والجبل واهازج الرعاة ولم تكتف بوصف حركة الناس وممارساتهم بل جاءت في ثنايا السرد القصصي الممتع بما كان سائداً من امراض كمرض السابع الذي كان منتشراً في السابق وحكى بامتاع معاناة المريض معه في سبع ليال كانت اصنافاً من الالم مستغلاً بذكاء هذه الحالة التي يعيشها بطل القصة ليوسع دائرة المشهد القصصي ويجعله يستوعب اكثر من جانب حياتي معاش في الماضي حيث استغل الحالة المرضية التي عاشها بطل القصة ليستحضر موائد الطعام التي كانت سائدة في الزمن الماضي مستغلاً حالة المريض النفسية التي تعاف الطعام ليذكرنا باصناف الاطعمة وكيف يتم اعدادها في اقل عدد ممكن من الكلمات وبلغة آسرة ووسط قدرة مدهشة يمتلكها القاص علي حسين على الاداء المسرحي والقدرة على التجسيد والتنغيم وتغيير طبقة الصوت مجسداً الحالات المختلفة للشخوص بالقصة مستغلاً مهاراته في الالقاء وخبراته المسرحية المستمدة من كونه ممثلاً مسرحياً شارك في العديد من المناسبات المسرحية وقد استفاد كثيراً من مخزونه اللغوي في اختيار مفردات وجمل قادرة على ممارسة فعل التصوير بالكلمات والجمل ثم ختم القصة الجميلة باهزوجة معبرة : البيض فالك يا هلال عيدنا عيد هني بالفاس سعدنت الرجال من راس مربوع بني وما اضفى المزيد من التفاعل من الحضور معها ان القاص تحول في تلك اللحظة الى حادي ينشد الشعر بلحن آخاذ تفاعل معه الحضور بمتعة كبيرة . ثم ألقى بعد ذلك قصته " خط الجنوب " التي اتبع فيها اسلوباً مبتكراً وغير مطروق فقد كانت بطلتها " امرأة " حكى على لسانها معاناتها مع خط الجنوب بفقد زوجها في حادث سير مؤلم وكيف تحولت فرحة العيد مع صويحباتها الى مأتم . الجميل في هذه القصة الممتعة ان السارد هنا كان القاص على لسان المرأة وقد تقمص شخصية المرأة التي فقدت زوجها وكان يحكي بلسانها المفجوع وطاف بالحضور في تفاصيل دقيقة في حياة المرأة في الماضي وصنع منها حدثاً طاف به في جوانب عدة من ملامح مجتمع النساء بتمكن كبير " حيث بمجرد اعلان العيد تجتمع نساء القرية في احد البيوتات للسهر والتزين بالحناء واعداد الاطعمة " وقد اعتدنا ان يحكي الرجل عن عالم الرجال وتتحدث امرأة عن عوالم بنات جنسها ويغوص كل منهما في عوالمه الا ان القاص علي حسين السعلي خالف السائد هنا في هذه القصة بولوجه عالم المرأة واقتحامه عوالمها والحديث على لسانها فأحدث بهذا التوجه تفرداً يندر تكراره . بعد ذلك القى قصة اخرى بعنوان " مزحة ثقيلة " . تحدث فيها عن بعض المظاهر القديمة التي اختفت ومنها علوم السيرة والديرة منطلقاً من تجربة شخصية حدثت له حيث في الصغر بمدينة الطائف التي شهدت خطواته الاولى نحو عالمه الخاص وقد ابدع في احداث ما يمكن تسميته " قصة القصة " او ما هو متعارف عليه في الاوساط الشعرية ب " الباعث " و " المحفز " لخلق النص الادبي حيث ساق قصة شخصية حدثت له جعلته يجنح لخلق هذه القصة وينسجها ليذكرنا بأن الادب ما يزال له وظيفته النفعية فهو من خلال هذه القصة ينتقد هامشية بعض الشباب وجهلهم ببعض ما يجعلهم في مصاف الرجال الذين يعتمد عليهم وقد اجاد في نقد هذا الواقع بأسلوب ساخر ومستخدماً لغة تهكمية معبرة كما في قوله " يا بويه . . المطراية كثيرة " و " اخس يا يلغزلة وش قلنا قبيل !" . وفي ختام القصة الرابعة عاد مجددا لامتاع الجمهور بالمزاوجة بين " السرد والاهازيج المحلية التي تفاعل معها الجمهور كثيرا مرددين معه المقطع الجميل الجميل من تلك الاهزوجة وباداء طربي ولحني جميل : ازفر زفير المدافع لا رمت في فيتنام ولا زفير الذي راح النوى من عيونه ولا زفير الذي مسكور ما ساير الناس ولا زفير الذي مسجون ما خلص الدين تشربكت في بوادي الهجرة موجات راسي وكلما جاء يفيق خاطري شعبكوبة وقد تشعبك الحضور ومدير الامسية مع فارس الامسية وسط اجواء مدهشة كسرت الرتابة التي اعتدناها في مثل هذه الاماسي ونجح القاص في ان يبني لفن القصة عوالم جديدة من التفاعل والتأثير والادهاش والتعبيرية بتمكنه الكبير من خلق الاحداث والشخوص ومنطقية الاحداث والقدرة الفذة على توسيع دائرة الحدث بتمكن يمنع حدوث الاطالة او حتى ما يمكن وصفه بترهل القصة .