كلنا يعرف أن الجمال لا يقتصر على تناسق الملامح والجسد فقط وإنما الجمال يشمل عددا من الأمور التي تعتبر ذات أهمية كبرى لتحقق للشخص الرضى عن الآخر . وقد يكون جمال المظهر مطلبا هاما خاصة في عصرنا الحالي فحسن المظهر أصبح يعتبر شرطا أساسيا ليحدث للشخص قبول في المجتمع المعاصر وكثير من المؤسسات والشركات الكبرى تعتبر أن جمال وتناسق الشكل شرطا أساسيا للتوظيف وهو الأمر الذي أنعش تجارة عمليات التجميل حول العالم . وكثيرا ما يقال إن الجمال نسبي فهناك الجميل وهناك الأجمل والأجمل وهكذا ... وبالنتيجة لا يوجد من هو جميل بالمطلق ولكن برأيي أن الجمال يعتمد على رؤيتنا وإحساسنا به ... والأمر لا يعتمد كثيرا على المظهر وإن كان عاملا أساسيا في حالات معينة فحين تلتقي الأشخاص للمرة الأولى يتركون لديك الانطباع الأول وهو الانطباع الذي يثبت ويبقى في الأذهان لذا فإن الشخص الجميل يتحول إلى قبيح إن لم يعتن بمظهره وأناقته ونظافته والعكس أيضا صحيح . وباعتقادي أن في عصرنا الحاضر لم يبق هناك أشخاص قبيحون والفضل يرجع بالطبع لزيادة الوعي لدى المجتمعات بمعرفة أهمية الاهتمام بالظهر خاصة وأن الوسائل التي تحسن الشكل كثيرة وسهلة وفي متناول الجميع وهي بعكس ما قد يتصوره البعض بأنها مكلفة فهي لا تكلف الشخص أموالا كثيرة والأمر لا يحتاج أكثر من زيارة لأحد الصالونات المنتشرة في كل مكان إضافة الى النظافة والرائحة الطيبة واللباس المهندم . ولا شك أن ثقافة الجمال اختلفت كثيرا لدى مجتمعاتنا العربية ولم تعد العيون الملونة والشعر الأشقر رموزا للجمال وإنما تعددت واختلفت نظرة الأشخاص للجمال فالبشرة البرونزية أصبحت تعتبر ميزة وعلامة من علامات الجمال لدى الجنسين كما وأن الطول لم يعد مرغوبا كثيرا بل أصبح عامل إزعاج للأشخاص الطوال وأما الشعر الناعم فأصبح لا يشكل هاجسا لأصحاب الشعر الأجعد بفضل المساحيق التي ساهمت في حل هذه المعضلة .. وأما عمليات التجميل والتي يقبل عليها كثيرا فئة الميسورون فقد أحدثت نقلة نوعية في معايير الجمال ولم تعد السمنة تشكل هاجسا ولم تعد هناك مشاكل نفسية بسبب عقدة جمالية كاعوجاج الأنف أو رقة الشفاه . على الجانب الآخر أصبح البحث عن المقاييس المثالية للجمال يشكل هاجسا مؤرقا للبعض وهي مشكلة نستطيع أن نطلق عليها مرض نفسي مصاب به هؤلاء ممن يلجأون لعمليات التجميل مرة بعد مرة وهم في كل مرة لا يشعرون بالرضى عن أنفسهم وينتهون إلى أشكال غريبة لا تمت للشكل البشري بصلة فالبعض يصبحون أشبه بالقطط وأما بعض نجوم الفن والغناء والتمثيل فقد أصبحوا يحملون ملامح متشابهة لدرجة أن ملامحهم الأصلية اختفت . قد يكون الجمال مطلبا هاما تقتضيه متطلبات عصرنا في حين أن الوصول له ليس صعب المنال ولا يقتضي الأمر مبالغة للوصول له ولكن على الجانب الآخر هناك المثالية أو الكمال وهذا أعتبره أمراً آخر تماما .. فالكمال لله وحده ولن يصل للكمال أحد مهما حاول .. وهذه حقيقة لا بد وأن يسلم بها هؤلاء ممن تسلط عليهم الأضواء طوال الوقت لأن من يسعى للكمال ينتهي نهاية مخيبة ومأساوية في بعض الحالات . وفي نهاية الأمر لا بد وأن نعرف أن الجمال لا يقتصر على جمال المظهر فقط وإنما هو جمال يصعد من الروح ليضيء الوجه والقلب ويخلق الرضا والطمأنينة في النفوس . *شاعرة وإعلامية سعودية [email protected]