اخصائي نفسي الحديث عن الأمراض النفسية يعني الحديث عن الأصعب مقارنة بالأمراض الجسدية ليس لصعوبة تشخيصها أو لوضع خطة علاجية لها، ولكن لعدم وجود قياسات مرئية توضح مكان العلة بشكل مباشر يقبله الشخص العادي أو المريض أو ذووه. فالأمراض الجسدية أصبحت من التطور بمكان أن يرى المريض أماكن العلة بصور متعددة كصور الأشعة بأنواعها المتطورة والدقيقة أو المناظير التشخيصية وغيرها الكثير مما يسهل التشخيص من ناحية ويقنع المريض قبوله من ناحية أخرى، وكل هذا يلعب دوراً نفسياً في نجاح الخطة العلاجية. وهذا لا يتوفر في تشخيص الأمراض النفسية مما يجعل قبول التشخيص صعباً وكذا وبالتالي يزاد من صعوبة القناعة بالخطة العلاجية، وهذا أعطى فرصة للتأويل والتدخلات التي تعيق _ في كثير من الأحيان _ العلاج النفسي الصحيح. وقد بينت دراسة أن ما بين 80% - 90% من المجتمع السعودي يرفضون فكرة أن مرضاهم مصابون بمرض نفسي وأن ما يعانون منه لا يتعدى كونه مساً من جنٍ أو عين أو سحرن؛مما يجعلهم يمارسون العديد من المراجعات العلاجية التي تسبق العلاج النفسي الصحيح وهذا من شأنه أن يعيق العملية التشخيصية ومن ثم العلاجية. فارتباط الإصابة بالأمراض النفسية بالجن ومن ثم إطلاق كلمة "مجنون" جعل المريض النفسي أو ذويه يسعون لوضع حلول قبل مراجعة العيادات النفسية أو المستشفيات حتى لا تلصق بهم هذه الوصمة "مجنون"، هذا المصطلح الشعبي المقترن بمس الجنون أصبح هاجساً مخيفاً يعيق العمل النفسي الصحيح. مجنون كلمة لا تستخدم في القواميس الطبية البتة وهي غير علمية ولا أصول طبياً. فالمصطلحات الطبية الحالية مبنية على مرجعية في تصنيف وتشخيص الأمراض النفسية المتعارف عليها من أمثال( قلق ، اكتئاب ، وسواس قهري...إلخ ) وغيرها مما لا يسمح المجال لذكره ولكل مرض نفسي قائمة يستند عليها المعالج عند التشخيص. ووصف المريض النفسي وتشخيصه له معايير وعبارات يعرفها المتخصصون من بينها ظهور أعراض مرضية نشطة، أو حالة مستقرة، أو مستقر مع العلاج، ففي حالة عدم الاستقرار لا يقال "مجنون" وفي حالة الاستقرار لا يقال "عاقل" وهكذا فإن كلمة "مجنون" وعكسها عاقل غير موجودة أيضاً، واستخدام هذه العبارات يعد من الجهل بواقع تطور الأمراض النفسية. ولعل ما يثير الاستغراب بين فترة وأخرى ما نجده متداولاً من كتاب كبار أو أطباء غير متخصصين لهذه العبارات وهذا مؤشر على الجهل وعدم الدراية باستخدام المصطلحات الصحيحة مما يؤثر على متلقي الخدمة ويعمق الجهل بهذا التخصص المهم والمتطور ويفقد كثيراً من المستهدفين فرصة تلقي العلاج الصحيح، بل ويقدح في حقوقهم الشخصية والمعنوية مما يجعل استخدام كلمة "مجنون" على من يعاني من مرض نفسي عرضة للمساءلة القانونية.