كانت تجلس في مكان غير بعيد عن هذه "الزحمة" التي كان عليها المكان عندما رأيتها وهي تجلس في ذلك الوقت كانت شابة في مقتبل العمر اخرجت من حقيبتها "علبة التبغ" وراحت تضع احدى اللفائف بين شفتيها المرسومتان بدقة، ادهشني المنظر، شابة "وتدخن" تذكرت ايام زمان عندما كانت من في مثل سنها أو عمرها لا تكاد تبين لا ان تمسك "بسيجارة" وفي وسط عام من الناس تشعلها فلم أتمالك نفسي إلا وانا اقترب منها لان وجود "السيجارة" شجعني على الاقتراب منها لانني احسست انها لن تمانع من حواري طالما هي في هذا الوضع المتقدم من الثقة بالنفس قلت لها: * هل ممكن اسألك؟ - قالت وبصوت كله ثقة : تفضل. * قلت من اين أنت؟ - نظرت اليّ نظرة كلها استغراب من هنا من جدة؟ * لا اقصد سعودية؟ تمنيت لحظتها ان تقول لست "عربية" صدمتني عندما قالت نعم سعودية ومن جدة. ولكن لماذا السؤال؟ قلت عجيب انك من هنا وتدخنين امام الجمع هذا كله. بدت لي كأنها ضحكت عندما قالت : وفيها ايه ان كنت أدخن؟. قلت أليس في هذا العمل خدشاً لأنوثتك فالتدخين للرجال كما تعودنا عليه. قالت وهل هناك فرق بين الرجال والنساء انني لا ارى فرقاً ابداً. قلت دعينا من هذا الكلام فالحديث فيه يطول. فانا لا ارى منظراً جميلا لفتاة في مثل سنك وهي تمسك "بسيجارة" وفي وسط جمع من الرجال تدخن انه أمر غير مستساغ ولا فيه ذوق يتناسب معك كفتاة في مقتبل العمر. ** ضحكت عاليا حتى احسست انها تريد ان تلفت نظر الباقين لحوارنا وقالت يبدو انك تعيش عصر جدتي تلك التي كانت تلف "الدخان" بين أصابعها انه زمن مضى اذهب الى المحلات التي على البحر سوف تجد الكثيرات وهن يدخن "الشيشة" و"السيجارة". ** قلت لكن قد يبدو لي ان تلك الاماكن وان كان مجرد التدخين للفتاة لا اتقبله الا انها ضمن مجموعة من السيدات قد يكون ذلك مستساغاً او حتى مقبولا لكن ان يكون هذا في وسط كله رجال فان الامر فيه صعوبة جداً. - قالت يبدو لي انك لست من هذا الزمان. قلت ابداً أنا من هذا الزمان ولكن دون الانفلات من قيم ذلك الزمان. أعطتني ظهرها ومضت الى سيارتها والسيجارة بين شفتيها تتراقص. * كان صديقي يتابعني من بعيد، عندما افترقنا وذهبت هي الى حيث لا ادري .. قال لي صديقي: إن شاء الله خير رأيتك في حوار بدا لي أنه صريح جداً. قلت ابداً كان حواراً غير متوازٍ انني مندهش من في مثل سنها وتمارس التدخين. قال صديقي وهو يعلو بضحكته : انت فين عائش ومع من تعيش هو أنت خارج الزمان ؟. قلت لقد قالت لي هذا أو قريباً منه لكن ألا ترى انت ان ذلك خروج على المألوف والمعتاد من في مثل سنها. قال ان هناك من هن أصغر منها ويتعاطين التدخين لقد فجعت بذلك عندما جمعت الظروف بأب صديق وهو يعطي ابنته وهي في الاعدادية "سيجارة" من علبته الخاصة لتشعلها امامنا، وعندما استنكرت ذلك قال لي تفعلها امامي وليس من خلفي. صعقت وانا استمع لصديقي هذا القول. قلت يرحم الله ذلك الزمان الذي كان الواحد فينا لا يجروء على الاعلان عن نفسه بأنه اصبح مدخناً امام أخيه الكبير ناهيك عن أبيه، لازلت اذكر ذلك الشاب وهو يدس "سيجارته" المشتعلة في جيبه وهو يرى أخاه مقبلا عليه لقد كان ذلك الشاب لديه ثلاثة من الابناء، لم يكن صغيراً. قال صديقي : دعك من ذلك الزمان والخوف ان يتطور الامر من التسامح الى اكثر من التدخين. قلت : لا أراني الله ذلك الزمان.