أكد العقيد الدكتور نايف بن محمد المرواني أن تجربة المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب تنطلق كإطار شرعي وقانوني في بنائها وأهدافها ومجالاتها وآلياتها والسياسات المنبثقة عنها سواء تشريعية أو مالية أو تنظيمية أو أمنية من مرجعية القرارات الدولية لمجلس الأمن وهيئة الأممالمتحدة التي صدرت منذ انشاء المنظمة.. وأضاف أن التجربة تعتمد ايضا على مرجعية الاستراتيجيات الأمنية العربية ومن ضمنها الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب واتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الارهاب. ويؤكد العقيد الدكتور المرواني أن المملكة انفردت بتجربتها النوعية في مكافحة الارهاب نتيجة لتفاقم خطورة الأعمال الإرهابية على أراضيها والتي أصبحت مدمرة في الأشخاص والممتلكات وتثير الرعب والحقوق بلا تمييز. الحلقة الثانية: المطلب الأول: السياسة الشرعية والوطنية للمملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب: تعتبر الشريعة الإسلامية الاساس الذي تقوم عليه المملكة العربية السعودية ، كما ينص على ذلك نظام الحكم بها الذي يقر بأن الكتاب والسنة، هما دستور الدولة والموجهان لكافة انظمة المملكة. ونظراً لما يشكله الارهاب من اشاعة للرعب وتقويض للأمن ، واضعاف لسلطة الدولة لابتعاد الارهابيين عن منهج وهدى الدين الحقيقي الذي ينبذ الغلو والتطرف ، فقد صدر عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية القرار رقم " 148 لسنة 1409ه" يبين عقوبة من قام بأعمال تخريبية جاء فيه " من يثبت شرعاً أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن ، بالاعتداء على النفس والممتلكات الخاصة أو العامة، كنسف المساكن أو المساجد أو المدارس أو المستشفيات والمصانع والجسور ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة لبيت المال كأنابيب البترول ، ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك ، فإن عقوبته القتل لدلالة الآيات القرآنية، التي تبين بأن مثل هذا الإفساد في الارض يقتضي اهدار دم المسفد ، ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالاعمال التخريبية وضررهم أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق فيتعدى على شخص فيقتله أو يأخذ ماله، وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة". ويأتي الجانب الوقائي في السياسة الشرعية، باعتبار أن حوادث التفجير بكافة صورها واشكالها امر محرم لا يقره الاسلام ، لانه يمثل مايلي : 1- اعتداء على حرمة بلاد المسلمين، وتوريع للآمنين فيها. 2- قتل الانفس المعصومة في الشريعة الاسلامية. 3- الافساد في الارض، وإتلاف الاموال المعصومة. وتهتم السياسة الشرعية والوطنية في مكافحة الارهاب بتقديم الحوافز التشجيعية، حيث تتضمن التجربة السعودية في مكافحة الارهاب قيام الدولة بتقديم حوافز وضمانات للتشجيع على البلاغ عن الاعمال الارهابية، وتقديم المعلومات التي تساعد على الكشف عنها ، وتكريم العاملين في مجال مكافحة الارهاب، كما تم نشر صور المطلوبين امنياً في وسائل الاعلام، ورصدت وزارة الداخلية مكافآت مالية لمن يبلغ عنهم او يرشد إلى أي من المطلوبين امنيا وفق مايلي: 1- منح مكافأة مالية مقدارها مليون ريال سعودي، لكل من يدلي بمعلومات تؤدي الى القبض على احد المطلوبين، او عناصر الفئة الضالة. 2- منح مكافأة مالية مقدارها خمسة ملايين ريال لكل من يدلي بمعلومات تؤدي الى القبض على احد المطلوبين المعلن عنهم عبر وسائل الاعلام. 3- سبعة ملايين ريال لكل من يسهم في احباط عمل اجرامي، وذلك بالكشف عن الخلية او المجموعة التي تخطط لعمل اجرامي. وتتبلور جوانب السياسة الشرعية والوطنية للمملكة في مكافحة الارهاب في الجوانب التالية: أولاً: منح مهلة عفو للفئة الضالة: من ضمن السياسة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية في مكافحة الارهاب منح مهلة للفئة الضالة، فقد اصدرخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يرحمه الله - في 5/ 5/ 1425ه قراراً جاء فيه "لكل من يسلم نفسه من اعضاء الفئة الضالة خلال شهر من تاريخ هذه الكلمة فإنه آمن بأمان الله، والكل يعلم أننا لا نقول ذلك عن ضعف او وهن ولكنه الخيار لهؤلاء ولكي نعذر حكومة وشعباً بأننا عرضنا باب الرجوع والأمان، وفإن أخذ به عاقل لزمه الأمان، وإن كابر فيه مكابر فو الله لن يمنعنا حلمنا عن الضرب بقوتنا التي نستمدها من التوكل على الله جل جلاله". وهذا القرار الإنساني جاء اثر الانجاز الأمني الذي حققه رجال الأمن في المواجهة مع عناصر الفئة الضالة، كما أن ارتياح اهالي المطلوبين ودعواتهم المتكررة الى ان يستفيد ابناؤهم من هذه الفرصة، كانت كلها مشاعر وطنية تنسجم والغايات الإنسانية، في سبيل الوقاية من الارهاب وتصحيح الافكار المتطرفة، ومع انتهاء العفو في أواخر شهر يوليو 2004م فقد سلم عدد من المطلوبين امنيا انفسهم طواعية، علماً بأن العفو يشمل الحق العام لانه من صلاحيات ولي الامر ، اما الحق الخاص يطبق وفق احكام الشريعة الإسلامية. ثانيا/ تقدير جهود العاملين في مجال مكافحة الإرهاب: ويأتي هذا التقدير من الدولة لرجال الأمن تتويجاً لجهودهم في مجال مكافحة الارهاب، وتكريمهم بما يليق بعطاءاتهم مادياً ومعنوياً ، وقد وجه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يرحمه الله - بالآتي: 1- صرف راتب شهرين لكافة العسكريين من افراد وضباط في كافة القطاعات العسكرية، ومنح العاملين في مجال مكافحة الارهاب بدلا مقداره 25% من الراتب الاساسي. 2- يرقى الذين استهدفوا أثناء ادائهم الواجب الى الرتب التي تلي رتبهم مباشرة ، ويمنحون راتباً يعادل اقصى راتب درجة الرتبة المرقين اليها، بالاضافة الى البدلات والعلاوات التي كانوا يتقاضونها كما لو كان الشهيد على رأس العمل. 3- منحهم وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة. 4- منحهم نوط الشرف. 5- تعيين احد ابناء الشهيد بوظيفة والده وفق المتطلبات النظامية. 6- مساعدة اسرته بصفة عاجلة بمبلغ مائة الف ريال. 7- مساعدة أسرته في تأمين السكن المناسب في المنطقة، التي يرغبون فيها بمبلغ خمسمائة الف ريال. 8- منح كل من والد ووالدة الشهيد مرتباً شهرريا قدره 3000 ريال، اذا ثبت شرعا أنه عائلهما. ومن خلال هذه الامتيازات، يمكننا إدراك وعي القيادة السياسية والادارية في المملكة، بأهمية تحصين رجال الأمن معنوياً ومادياً بما يكفل تكريس إيمانهم الوطني والديني العميق بضرورة أداء دورهم الأمني الوطني في مكافحة الارهاب والارهابيين. وتعتبر هذه الامتيازات ضمن العناصر الاجرائية والتنظيمية للتجربة السعودية في مكافحة الارهاب. ثالثاً/ إفراد محاكمة الارهابيين بجهاز قضائي خاص: قامت المملكة العربية السعودية بإنشاء محكمة تختص بمحاكمة الاشخاص المتهمين في جرائم ارهابية، تتشكل من قضاة مؤهلين شرعيين، ومقرها الرياض، وتعتمد على القواعد الاجرائية للمحاكمة النزيهة والعادلة وأحكامها نهائية، ولا تتقيد بإجراءات المحاكم العادية الواردة في نظام الاجراءات الجزائية، فلا تكون الاحكام فيها حضورية فقط، بل يمكن أن تكون غيابية، ويمكن عقد المحاكمة دون حضور المتهم اذا ما ابعد عن الجلسة ، أو أعيد الى الحبس بسبب تصرف مخالف. ويبقى في نظرنا الهدف تحقيق الأمن والاستقرار بشكل أفضل ، باعتبار العدل من أهم روافد الأمن. رابعاً / تطوير أجهزة مكافحة الارهاب: سعت المملكة العربية السعودية بالتوازي مع تنامي ظاهرة الارهاب الى انشاء اجهزة أمنيةمؤهلة ومدربة على أعلى المستويات ، مزودة بتقنيات حديثة لمكافحة الارهاب. فعلى المستوى الهيكلي أو التنظيمي تم انشاء لجنة عليا لمكافحة الارهاب، وتتمثل مهمتها في دراسة الموضوعات المتعلقة بمكافحة الارهاب، وتتفرع منها لجنة دائمة تتولى دراسة كل مايرد من موضوعات ذات صلة بمكافحة الارهاب واقتراح الاجراءات المناسبة بشأنها. وقد اعتمدت المملكة في سياستها الامنية انتشار فرق الأمن ونقاط التفتيش عند مداخل ومخارج بعض الطرق والاحياء للتضيق على الارهابيين ومحاصرتهم وتكامل ادوار الاجهزة الامنية الميدانية والفنية والاستخبارية في هذا الصدد. كما قامت وزارة الداخلية بتجهيز عدة مداخل بالكاميرات الحرارية التي ساهمت في احباط تهريب كميات كبيرة من المتفجرات والاسلحة والذخيرة، حيث تقوم برصد الاجسام الغريبة والحية معاً، وهي كاميرات ثابتة ومتحركة وذات تقنية حديثة جداً وانشاء نظام أمني يشمل اقامة سياجات على الحدود تحول دون تسلل الارهابيين او تمويلهم. وفي طار تطوير وتحديث الاجهزة الامنية المتخصصة، فقد تم انشاء فرق مؤهلة للتعامل مع العمليات الارهابية ميدانيا وبنجاعة مهنية عالية، وتعد المملكة العربية السعودية من أول الدول العربية التي انشأت جهازاً أمنيا في مكافحة الارهاب. وهذا التطور الذي طرأ على أجهزة مكافحة الارهاب انعكس على مستوى نجاعة مكافحته، بتعزيز الاجراءات الامنية بجوانبها الثلاثة " الوقاية- الضبط - إعادة التأهيل". خامساً/ تعزيز دور المؤسسات الاجتماعية المعنية بمكافحة الإرهاب: يعد التركيز على الجانب من ضمن اولويات الاستراتيجية العربية لمكافحة الارهاب، والتي تعتمد عليها المملكة العربية السعودية - كمرجع - في تجربتها لمواجهة الارهاب. ويمكن ايجاز دور المؤسسات الاجتماعية المعنية بمكافحة الارهاب على النحو التالي: 1- أهمية التنشئة الاجتماعية في الاسلام الذي يقدم منهجاً تربوياً متكاملاً ، يقوم على بناء الانسان بناء متكاملا ومتوازنا من النواحي الاعتقادية، والروحية، والعقلية، والصحية والاخلاقية ، والاجتماعية ، وارتباط التنشئة الاجتماعية بالسلوك الانساني، واي خلل في بعض أو كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تشكل شخصية الفرد . وهذا الجانب - التنشئة الاجتماعية - مناط وبدور اكبر بالأسرة والمدرسة والمؤسسات والاعلامية، فتجد أن المملكة العربية السعودية قد عنيت بدعم الاسرة لكفالة التربية السليمة للنشء والشباب وتحسين الظروف الاجتماعية ورفع مستوى الحياة ، وتنمية روح الانتماء والمواطنة لدى الابناء في مراحل نموهم المختلفة، اضافة الى تبني برامج لزيادة الوعي الامني ، وتعريف الابناء بحقوق الانسان. وعلى صعيد اهتمام المملكة العربية السعودية بالمدرسة، فقد تم مراجعة المناهج الدراسية لتضمينها ما يوضح مدى خطورة الانحراف الفكري، وبيان اخطار الارهاب وحرمة قتل النفس البرئية وسفك الدماء، وحرمة الاعتداء على الاموال العامة والخاصة، إلى جانب توظيف المناهج لتعزيز قيم الوسطية والاعتدال والتسامح ، وثقافة التعايش والتفكير الايجابي. أما فيما يتعلق بالدور الاعلامي، فقد اهتمت المملكة العربية السعودية بالجانب الفكري لجميع افراد المجتمع وفق ماورد في المادة 39 من النظام الاساسي للحكم والتي تتضمن بأن " تلتزم وسائل الاعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة، وبأنظمة الدولة ، وتسهم في تثقيف الامة ودعم وحدتها ، ويحظر ما يؤدي الى الفتنة او الانقسام، او يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة،أو يسيء الى كرامة الانسان وحقوقه" 2- الاهتمام بالمؤسسات الدينية ودورها في توضيح الصورة الحقيقية للاسلام، وما تقوم به من دور هام في مكافحة الارهاب من خلال وظائفها الثلاثة " الافتاء ، والوعظ ، والارشاد ، والدعوة. وقيام المؤسسات الدينية بالمملكة العربية السعودية بالتصدي للفتاوى المضلة واقامة الحجة على المخالفين، وفرض الرقابة على الوعظ والارشاد واختيار ائمة وخطباء المساجد المؤهلين شرعيا وعلميا وخلقيا لالقاء الخطب والدروس الدينية، باعتبار المساجد مراكز للاشعاع الديني والثقافي وبما لها من دور في مكافحة الارهاب والجريمة اضافة الى توحيد المرجعية الدينية للفتوى، وجعلها مناطة بهيئة كبار العلماء. سادساً/ إعادة التأهيل "المناصحة": يعتبر برنامج إعادة التأهيل " المناصحة" محوراً هاماً من محاور تجربة المملكة العربية السعودية في مكافحة الارهاب، فهو يهدف الى مناصحة المتأثرين بالفكر الضال. بدأت العمل به عام 1424ه بتوجيه من صاحب السمو الملكي الامير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الامنية ، وبدعم وتأييد من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية. وتتكون لجنة المناصحة من ثلاث لجان رئيسية هي اللجنة العلمية والامنية والنفسية، وتضم اللجنة عدداً من العلماء الشرعيين والمستشارين النفسيين والاجتماعيين.. ولايعتمد البرنامج على مبدأ الثواب والعقاب، بل على فرضية الميل الى فعل الخير، وتشجيع المتطرفين على ادانة " المعتقدات الارهابية" وخصوصا عقيدة التفكير، وفك ارتباطهم بالتطرف، وينطلق البرنامج من فرضية أن المشتبه بهم تعرضوا للكذب والتضليل من جانب المتطرفين كي ينحرفوا عن الاسلام الحقيقي. وقد أثمرت جهود المناصحة بتراجع اكثر من 150 شاباً عن أفكارهم ، وتقدر نسبة النجاح للبرنامج بين "80%-90%" ومن ضمن برنامج المناصحة " الرعاية اللاحقة" لمن استهدفتهم لضمان التزامهم بنهج الطريق السوي ، وتذليل ماقد يواجههم من عقبات وأسرهم في كل مناحي الحياة. واصبح برنامج إعادة تأهيل المتطرفين من البرامج التي لقيت استحسان كثير من دول العالم والتي تعاني من الارهاب للاستفادة من التجربة السعودية في مكافحة الارهاب، ووزارة الداخلية معنية بمراجعة واعادة تقييم دور هذه اللجنة كلما دعت الحاجة الى ذلك تحقيقاً للهدف الذي تسعى اللجنة إلى بلوغه.