طيلة مراحل حياتي المتعلقة بالمدرسة، كنت أنتظر الأسبوع الأول من العام بحماسة شديدة، ليس رغبة بالدراسة، وحل الواجبات، وحفظ المعلومات، وتكرار جدول الضرب، وتلحين القصائد، بقدر تبادل الحكايات مع الزميلات عن اجازة الصيف التي قضيناها بكل سعادة في كل أيامها، كنت أخبرهن عن أيام الصيف في الجنوب، وأحكي لهن عن الاستيقاظ صباحًا والذهاب لرعي الغنم مع جدتي، وعن تساقط الأمطار كل يوم، والبيت الذي لا يخلو من الضيوف للسلام علينا، فيما أستمع إلى حكايتهن ومغامرتهن التي حدثت فيها، نعم كنا نطبِّق على أرض الواقع المشهد الذي مثله عبدالله السدحان وناصر القصبي في مسلسل "طاش ما طاش"، حين تحدثا عن إجازتهما الصيفية. فيما مضى من الاجازات، أو الحياة بصورة عامة، اعتدت وغيري من أبناء الجيل الطيب، التفاعل مع المجتمع من أقرباء وجيران، وأبناء الحارة الواحدة. كانت تلك الفترة تعتبر درسًا رائعًا في الحياة، حيث تعلمت كيفية التفاعل مع المجتمع بصورة أكثر إدراكًا بأهمية المجالس، والأحاديث والقصص التى تروى فيه، كانت بمثابة التهذيب لنا، بعكس اليوم الذي أصبح فيه أطفال ومراهقو هذا الزمن، أو الذين أصبح يطلق عليهم"مجتمع Z"، جُل وقته على الأجهزة الذكية التي سرقت منهم الإستمتاع بالإجازات بشتّى مسمياتها، أو بالحياة بصورة عامة، فقد تجدهم طيلة الوقت إما مشغولين بالدردشة مع أصدقائهم، أو بجهاز الألعاب، يكونوا محصورين في غرفهم، ولا يخرجون منها إلا عندما يشعرون بالجوع، أو حين يريدون أمرًا يجبرهم على ترك تلك الأجهزة، حتى أي محاولات للمحادثة معهم، لا نجد لها أي جواب في الغالب إلا بنعم أو لا، وقد خضت هذا الأمر عندما لم استطع مجاراة فتيات عائلتي للعبة "uno"، التي أصبحت على الهاتف، فيما كنت أخسر كل مرة، وأتحسر على الورق الذي كان يُرمى على الأرض ضمن حماسة اللعب. لقد أحدث عالم الرقمنة ثورة في كل شيء، ممّا سهل علينا حياتنا بالمجمل بأقل قدر من التكلفة أو الجهد، لكنه بالمقابل، ترك أثره السلبي على الكثير، فاليوم قلة من سيتحدث عن عطلته الصيفية، بالحماسة التي كنا نفعلها، أو المغامرات التي خضناها، و يصنعوا ذكريات يمكنهم معها أن يكبروا بأقل قدر من التصرف كالتي لا تفعل سوى أن تحرك عينيها ويديها على الأجهزة، هذا الأمر الذي لن يشعر بأهمية ليس مجمتع Z فقط، بل أيضًا عائلاتهم عندما يدركوا مؤخرًا أنهم كانوا سببًا في ذلك.