لعل أول ما يلفت الانتباه في المؤتمر العلمي الذي عقدته الأسبوع الماضي جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالرياض تحت إشراف كلية اللغات عن ترجمة الهوية السعودية عبر اللغات والثقافات الأخرى، هو فلسفة تصميم الشعار الذي كان يحمل عنوان "هويتنا نترجمها". جاء تصميم الشعار باستخدام عنصرين مهمين يعكسان بدقة الثقافة السعودية ويعتمدان عليها وهما النخيل والإبل. كما أن الشعار يحمل عنصراً رمزيا مهما وبالذات في السياق الذي تم فيه تنظيم هذا المؤتمر وهو هنا في رحاب جامعة الأميرة نورة المخصصة للطالبات فقط. هذا العنصر الرمزي الذي يضمه هذا التصميم يتمثّل في شخصية راعية الإبل السعودية المعروفة شومة العنزي التي توفيت في عام 2022 بعد أن بلغت أكثر من 90 عاما حيث قضت حياتها تعيش في الصحراء مع الإبل والجمال ضاربة بذلك أروع الأمثلة في الصبر والكفاح، وفي الوقت نفسه تذوّق الجَمال الذي تراه في الجِمال حيث كانت تقول:" من هو المجنون الذي لا يحب الإبل؟". كنت أبحث عن هذه الصور المجازية الجميلة وكيف يمكن ترجمتها من خلال حفل الافتتاح وجلسات المؤتمر والتي تراوحت موضوعاتها حول دور الترجمة والنشر في نقل الهوية السعودية، وهوية الأسرة السعودية، وهويتنا والآخر، وترجمة الإرث الوطني، وقضايا التواصل في الهوية الوطنية؛ لكن في الوقت نفسه هناك معضلات معقدة في الترجمة لم يتم الوصول إلى حلول فلسفية حولها ولعل أهمّها قضية الذات والعلاقة مع الآخر. لا شك أن الثقافة محلية تتشكّل من خلال الأجيال التي تعاقبت في مجتمع ما وأصبحت تميّزه عن الآخر، لكن في الوقت نفسه هذه الخصوصية تصطدم مع واقع جديد يعيشه هذا العالم وهو ما اصطلح على تسميته بالعولمة حيث تذوب الحدود بين المجتمعات ويصبح العالم سوقاً اقتصادية مشتركة يقع تحت سيطرة الأقوياء اقتصادياً ثم يتحوّل هذا الأمر لاحقاً ويمتد إلى الثقافة نفسها فيتقولب العالم بصورة نمطية واحدة ويصبح تحت سيطرة الثقافة القوية التي تسيطر على هذه السوق. هذا المؤتمر الجميل يقاوم هذه التيارات الجارفة ويعلي من شأن الثقافة المحلية وإبرازها إلى الوجود خاصة وأن الهوية السعودية ذات شأن ثقافي مهم في هذا العالم، ولعل نظرة سريعة إلى خارطة العالم الجغرافية تكشف عن مكانها الاستراتيجي وخصوصية وجمال موقعها الذي يعكس في الوقت نفسه أهمية الدور الثقافي الذي تضطلع به والذي انعكس في كونها قبلة العالم ومهد الحضارات. من المعضلات الكثيرة في قضايا ترجمة الهوية الثقافية هو الدور الذي يمكن أن تلعبه دور النشر خاصة في ظل اهتمامها في العائد الربحي الذي تنتظره من أي مشروع ثقافي يتعلق بالهوية إذ من المعروف عنها اهتمامها، كما هو الحال مع أي دار نشر عالمية، في الكتب الأكثر مبيعا ورواجا والتي عادة تبتعد عن الثقافات المحلية وترجمتها. كان يمكن إضافة محور للتجارب الشخصية في الترجمة الثقافية لإلقاء المزيد من الأضواء حول الصعوبات التي يواجهها المترجمون أو دور النشر في قضايا ترجمة الهوية أو الثقافة السعودية سواء من العربية أو إليها.