نتطرق هذا المقال إلى الديناميكيات المعقدة للابتزاز العاطفي، مستكشفًا أبرز مظاهره وتأثيراته وإستراتيجيات التحرُّر من قبضته الخانقة، وما كنت لأتطرق إلى كتابة هذا المقال، لو لم أواجه أحد أصدقائي، الذي يتعرَّض باستمرار لمحاولات ابتزاز عاطفي في شركته من قبل بعض الموظفين، ولكن قبل الخوض في تفاصيل هذه الواقعة، يجدر بنا أولاً أن نتعرّف على ماهية الابتزاز العاطفي؟ يعرف الابتزاز العاطفي، بأنه أسلوب التلاعب الدقيق والفعّال، يتغلغل بهدوء في العلاقات، ويترك وراءه سلسلة من الاضطرابات النفسية والثقة المكسورة. إنها تزدهر في ظلال الضعف، وتتغذّى على أعمق مخاوفنا وانعدام الأمن، مثل محرِّك الدُمَى الماهر، يسحب المبّتزون العاطفيون- بخبرة- خيوط الذنب والعار والالتزام، ويجبرون الآخرين على الامتثال لرغباتهم، في عالم يُنظر فيه إلى الذكاء العاطفي؛ باعتباره حجر الزاوية في العلاقات الصحية، في حين أن الطبيعة الخبيثة للابتزاز العاطفي، تتطلَّب الفحص والمواجهة. كما أن الابتزاز العاطفي، هو أحد أشكال التلاعب النفسي باستخدام مجموعة من التهديدات، وعند التعرض للابتزاز العاطفي، يصبح الشخص رهينة للآخر. وعموماً، فإن الابتزاز العاطفي بكل أشكاله، يجعلنا نعيش في حالة دائمة من الذنب والخوف، مّا يؤدي إلى الاكتئاب والقلق وتدنّي احترام الذات، والافتقار إلى الهويّة والنزاهة، وصعوبة التواصل مع الآخرين. يصوِّر لنا المبّتزون عاطفياً، أن أي خطوة قد نتخذها، التي قد تعود بالضرر على المتهاون المبتز، وبالنفع على المصلحة العامة، وعلى باقي الموظفين، أنه تصرف وحشي وأناني وغير إنساني ،وهو فعل سيئ بكل تفاصيله؛ مهما كانت أسبابه وذرائعه. المبّتزون يكرهون الخسارة، ولا يهمهم الحب أو الثقة أو الإنصاف، المهم أولاً وأخيراً أن يحصلوا على ما يريدون، حتّى إن كانت الطريقة الوحيدة هي الابتزاز العاطفي، ففي العالم الأناني الذي يعيشون فيه، لا يهمهم إلا أنفسهم. وعودة إلى واقعة صديقي الذي يتعرَّض باستمرار لمحاولات ابتزاز عاطفي في شركته من قبل بعض الموظفين، فالواقع هو رجل طيب وعاطفي، ولا يحب أن يؤذي أحداً، حتّى وإن كان هذا على حساب نفسه، والذي أعرفه عن صديقي هذا، هو أن الموظفين وجدوا نقطة ضعفه في الطيبة الزائدة، فتمادوا في التهاون وعدم أداء عملهم على أكمل وجه. وعند المحاسبة يقومون بالضغط على نقطة الضعف هذه، واستغلالها أسوأ استغلال، ويبدأ الابتزاز العاطفي، كأن يقول: " ليس لي مصدر رزق غير هذا العمل، أو سوف أُطرد من منزلي وأتشرد أنا وأولادي، أو أنا كبير في السن، ولن أجد أي مصدر رزق آخر بعد هذه الوظيفة، وغيره من هذا الكلام! لا أجد علاجاً للابتزاز العاطفي، إلا بالوقوف بحزم في وجه المبتز، ومقاومة الرضوخ بالشعور بالذنب، وأرى أنه بهذه الطريقة، نحن نساعد المبتز في تغيير هذا السلوك المشين. كما أن لديّ إستراتيجية خاصة في التعامل مع المبّتزين، وهي رمي الكرة في ملعبهم، وقلب الطاولة، فعندما يحاول الشخص المبتز، أن يشعرني أنه سوف يواجه صعوبة في إيجاد وظيفة، أنبهه أن السبب يعود لسلوكه في العمل، ولا علاقة لي شخصياً بذلك، وإن كان سوف يطرد من العمل، فلست أنا السبب، وإنما هو الإهمال والتخاذل في أداء العمل، ومن باب أولى، أن يكون هو أشدّ حرصاً على العمل، وأدائه على أكمل وجه. إن المواجهة والصراحة المطلقة، هما الحل الأوحد، ولا يجب أن نخجل من أن نصارحهم بأن هذا السلوك، هو ابتزاز عاطفي، وإلا لماذا يتم إقحام أمور شخصية في مكان العمل، أو محاولة جعل الآخر يشكّ في قراراته ويشعر بالذنب؟ لابدّ من وضع حدود لمثل هذه التصرفات غير المقبولة، وجعل قنوات التواصل أكثر وضوحاً في مكان العمل، وإن الإرادة الحقيقية، والتصرف الصحيح للشخص، هما العلاج الحقيقي، والضامن لخروجه من حالة الابتزاز التي يتعرَّض لها، ويكون ذلك من خلال عدم قبول أي نوع من أنواع العواطف إذا كانت بمقابل مادي بحت، ومواجهة الطرف المبتز عاطفياً بحقيقته دون أي مجاملة، وعدم التعامل معه أبداً.