لا ننكر أننا في ظل التغيرات التي تحدث من حولنا ودون أن ندرك ، شُملنا ضمن منظومة التغيير سواءً كان بإرادتنا أو دون وعي منّا، ولعل من عوامل التغيير أننا أصبحنا نتقبّل بل ونستمتّع بأمور لم نكن نقبل بها سابقاً ولا حتى نتصور أننا نؤيدها، فعلى سبيل المثال لو أنك سألتني قبل أكثر من عشرين عاماً من الآن هل سأستمع لأغاني هيب هوب أو الراب، لأخبرتك وبكل تأكيد أنه من المستحيل أن يحدث ذلك ليس عيباً في هذا النوع من الفن ،إنما فقط لا أجد نفسي فيه، إلا أنني وبعد أن اقتربت أكثر منه وجدت أنه فن له قواعده وآلياته التي تجعل منه مقبولاً وفيه من القطع المميزة كغيره من الفنون. ذكرت ما سبق لأنني أجزم أن العديد من حولي خاصة من فئة الآباء والأمهات وجدوا أنفسهم في نفس الحالة التي أنا فيها مع موجة التغيير، وفكرة التقرّب من الأبناء ومصاحبتهم، ولعلنا أدركنا أن هناك مواقفاً كانوا فيها على صواب. بعيداً عن الصواب والخطأ كنت في أحد الأيام أجلس مع ابنتي التي بلغت من العمر خمسة عشر عاماً، وهي تتمتّع بذائقة جميلة في التاريخ والقراءة والفن، وليقيني أنها تحمل تلك الذائقة لم أتردّد في الدخول معها في نقاش حول المقارنة بين الأجيال من عصر السبعينيات إلى عصرنا الحالي، ولتثبت لي وجهة نظرها ،حدثتني عن فرقة غنائية مصرية تدعى "كاريوكي"، قائلة: (يا ماما هادي الفرقة ما كان في أحد يسمعلها وكنت أقول للي حولي عنهم بس ما كانوا يهتموا بس دحين صارت مشهورة وصارت الناس تسمع لهم وتحبهم طيب أثبتي لي انهم فعلاً زي ما بتقولي طيب بس أوضح لك نقطة مهمة مافي أغنية من أغانيهم إلا وتحمل رسالة معينة حأسّمعك بعض أعمالهم) وبدأت في تشغيل عمل وراء الآخر لهم وبالفعل أعجبني ما قدموه وفهمت مقصدها فيما سمعته، إستوقفني أحد أعمالهم كان عنوان الأغنية :"كل حاجة بتعدي"، وهي باللهجة المصرية البسيطة وقد بدأت بهذه الكلمات: مهما كان ليلك طويل كل حاجة بتعدي مهما كان حملك تقيل كل حاجة بتعدي ***** كل الناس خايفة من بكرة ويجي بكرا ولسة خايفين بكره مش يوم بكره ده فكرة هما جواها محبوسين ***** ربما ماجعلني أقف عند تلك الكلمات، حقيقة أننا بالفعل نعيش داخل دائرة الغد، بل نرتب عليه أمور حياتنا كلها، ونعلّق عليه الآمال والطموحات، فنفقد متعة اللحظة وقد نؤجلها، معتقدين أن الغد سوف يكون أكثر ملاءمة لها، مع أن اللحظة هي التي تصنع السعادة والراحة والأمل دون إعداد مسبق. يحضرني في هذا السياق المقولة الشهيرة التي نحفظها عن ظهر قلب إنما أكثرنا لا يعيش وفقاً لها وهي : (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) الدنيا ما حتطير وبكرا أحلى.