أَحَدُنَا كانَ مُستيقظاً ينتزعُ راياتِ الهزيمةِ من أسطحِ المنازل ي ُلملمُ بقايا وجوهٍ عَلِقتْ برأسهِ لحظة هرب يطوي الأرصفةَ ..أرغفةًطريةً وَ ي ُخبئها في جيبه .. أَحَدُنَا كانَ واعياً جداً لما يحدث الآن الحوادث التي تقع صُدفةً على جانبي الطريق على الضفةِ الأخرى يرقصون بخفّة جداًالمنكوبون أقدامهم لا تظهر للمارة، أقدامهم شفافة وَهم على هيئةٍ بيضاء لا أُبصرهم، لكنَّي أشعر بهم جيداً .. أَحَدُنَا كانَ مُتكوّراً حول نفسه كدائرةٍ قَلِقَة يختلسُ النظر لأبيهِ يطوفُ المدينةَ بجسدٍ هزيل خارجَ دائرةِ الوقت يرسم مكاناً رَحْباً للركضِ وَلاَ يركض .. أمه تتحسّس بطنها المُنتفَخ، بطنها يُشبه وكره الصغير المُعَد سلفاً للاختباء .. المقهى الرَطِب، الأغنيات القادمة من الخارج، الأيادي الناعمة تُداعب أصابعه الصغيرة مكانه الضيَّق مابينَ حبلها السري وَ قصائدها التي شرَبتها باكراً .. آخرُ الآن يجلسُ فوق مقعده الخشبي، آخر سرَق منه مُتعة تحديقه من الداخل إنه يتذكَّر بشكلٍ مُوحش كيف أخرجوه قبل أوانه، هو لاَ ينسى أبداً فداحة هذا التوقيت السييء بالذات في شُرفةِ الطابق الخامس ظلُ صبيٍ صغيرٍ يحوم، ظِلٌ مُضْطرب يُشبهه، فقط لو كانَ قميصه الأزرق بياقةٍ بيضاء، لو كانَ يتدلَّى وَلا يخاف خلفه حجرة واسعة، مُزدحمة وَلاَ أحد سواه .. فجأة، يمتلئ الشارع بأطيافٍ كثيرة، تتعالَى الأصوات، نُبَاح الكلاب، لُعَاب القطط الحزينة " لقد سقطَ من الأعلى " يتسرَّب الهمس إليه وَ هو ضمنُ العابرين يراهم يحملونه بعيداً حيث يغيّبهم انعطاف أخير .. يبتسم : لاَ تنسوني خذوني معكم .. يحرص أنْ يكونَ وجهه جميلاً، وَ أنْ لاَ يرتدي إلاَّ قميصه الأزرق ذا الياقة البيضاء لحظاته الأخيرة كيف تحديداًيستعيد ركض طويلاً وَ لَمْ يتعثّر قبل أنْ ي َعْلَق في المُنتصفِ حيث أَحَدُنَا ظلَ مُتأهباً ليغوصَ في تُربةٍ مُتحركة بعشوائيةٍ مريرة وَ الآخر يفتح أبواب الاحتمالات العديدة ليُبقيه صبياً صغيراً كانَ مُستيقظاً في عَتْمةِ المدينة الصاخبة وَ بقي غافياً في رأسي . ٭ شاعرة سعودية