وصلت الأوضاع السياسية في العراق إلى درجة الغليان، عقب إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، اعتزاله نهائياً العمل السياسي على وقع أزمة حادة تشهدها البلاد، ما وضع بغداد على فوهة بركان، ودفع أنصار الصدر إلى التوجه للمنطقة الخضراء ودخول القصر الرئاسي، معبرين عن غضبهم من سوء الأوضاع، رافضين موالاة بغداد لطهران، بينما وصلت قوات من مكافحة الشغب إلى عين المكان، في وقت أكد عدد من المحتجين المجتمعين داخل المنطق الخضراء أن خطوات تصعيدية ستنفذ في الساعات القادمة. وأعلنت المساجد بمدينة الصدر النفير العام، تضامناً مع الزعيم الصدري، وسط توقعات بأن تشهد مناطق أخرى خروج عدد من التظاهرات أيضا، بعد القرار المفاجئ للصدر باعتزاله نهائياً للعمل السياسي، موضحا في تغريدة على حسابه ب"تويتر" أمس (الاثنين)، أنه قرر الاعتزال بشكل نهائي، وغلق كافة المؤسسات الخاصة بتياره عدا المرقد والمتحف وهيئة التراث، مشيرا إلى أن جميع قيادات التيار الصدري باتوا في حل من واجباتهم، قائلا: "الكل في حل مني"، ملمحا إلى أن حياته قد تكون مهددة بسبب مشروعه الإصلاحي، مطالباً أنصاره بالدعاء له في حال مات أو قُتل. وتطرق الزعيم الشيعي إلى إعلان "المرجع الشيعي كاظم الحائري"، الذي يقلده أنصار التيار، اعتزاله العمل الديني بسبب المرض، موصياً باتباع مرجعية علي خامنئي. وأكد الصدر أن هذا القرار اتخذ من وبضغط الخارج في إشارة إلى إيران، مضيفاً أن مرجعيته وأنصاره كانت ولا تزال في النجف. وفي الحال، عمد صالح محمد العراقي، الملقب بوزير الصدر، إلى إغلاق حسابه على عدد من مواقع التواصل الاجتماعي بشكل رسمي، لاسيما تويتر حيث يتابعه أكثر من 800 ألف مستخدم، بينما دعا مكتب الصدر في بيان أنصار التيار إلى عدم التدخل في الشؤون السياسية باسم الصدر، معلناً منع الحديث في وسائل الإعلام ومنصات التواصل، أو رفع الأعلام والشعارات والهتافات السياسية باسم التيار الصدري، فيما أعلنت اللجنة التنفيذية لاعتصامات التيار الصدري انتهاء سيطرتها على تظاهرات الشارع، ما يفتح المشهد العراقي على كافة الاحتمالات. وتأتي خطوة اعتزال الصدر في وقت حساس في البلاد، لاسيما أن الأزمة السياسية المستمرة منذ الانتخابات النيابية الماضية التي جرت في العاشر من أكتوبر من العام الماضي، وتفاقمت في يوليو مع احتدام الخلاف بين التيار الصدري والإطار الذي يضم نوري المالكي، وتحالف الفتح، وفصائل وأحزاب موالية لإيران. فمنذ شهر يعتصم أنصار الزعيم الشيعي القوي في محيط البرلمان العراقي في بغداد، بينما يحتشد أنصار الإطار في مكان قريب أيضا من مدخل المنطقة الخضراء، سعياً للضغط من أجل تنفيذ مطالبهم، ففيما يطالب التيار الصدري بحل البرلمان، وإجراء انتخابات نيابية، يتمسك خصومه منذ أشهر بتشكيل حكومة وبعدها إجراء انتخابات جديدة. وبعد إعلان زعيم التيار الصدري، اعتزال العمل السياسي في العراق، أصدر مكتبه بياناً يضم 3 توجيهات رئيسية لأنصاره، مؤكدا منع أنصاره من التدخل في الشؤون السياسية باسمه، والحديث باسمه في وسائل الإعلام ومنصات التواصل، كما أكد أيضاً على ضرورة منع رفع الأعلام والشعارات والهتافات السياسية باسمه. من جهتها، أعلنت قيادة العمليات المشتركة حظر تجول شامل في بغداد، موضحة أن الحظر يشمل منع سير كل العربات أو المواطنين، كما أعلنت إغلاق جميع مداخل بغداد الشمالية والجنوبية، داعية المتظاهرين الغاضبين إلى الانسحاب الفوري من داخل المنطقة الخضراء، وأكدت أنها ملتزمة أعلى درجات ضبط النفس والتعامل الأخوي لمنع التصادم أو إراقة الدماء. وشددت في الوقت عينه على مسؤوليتها في حماية المؤسسات الحكومية والبعثات الدولية والأملاك العامة والخاصة، مشيرة إلى أن التعاطي مع التظاهرات السلمية يتم من خلال الدستور والقوانين وأن القوات الأمنية ستقوم بواجبها في حماية الأمن والاستقرار. إلى ذلك، أعلن مجلس الوزراء العراقي تأجيل جلساته حتى إشعار آخرن وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إن تمادي الخلاف السياسي في العراق يضر بكل مؤسسات الدولة ولا يخدم مقدرات الشعب العراقي، وتطلعاته، ومستقبله، ووحدة أراضيه"، داعيا المتظاهرين للانسحاب فورا من المنطقة الخضراء والالتزام بتعليمات القوات الأمنية المسؤولة عن حماية المؤسسات الرسمية وأرواح المواطنين، كما دعا مقتدى الصدر للمساعدة في دعوة المتظاهرين للانسحاب من المؤسسات الحكومية. وأضاف: "أطالب المحتجين بالالتزام بتعليمات القوات الأمنية. ما يحدث الآن مؤشر على استمرار الخلافات السياسية وتراكمها"، منوها إلى تجاوز المحتجين على مؤسسات الدولة عملا مدانا وخارجا عن السياقات القانونية، داعياً إلى ضبط النفس من الجميع.