سلكت المملكة طريق محاسبة المفسدين، متخذة النزاهة ومكافحة الفساد مرتكزاً للتنمية، ونهجا دستوريا راسخا، لإعادة الحقوق وترسيخ قيم النزاهة، بإجراءات صارمة لمعاقبة كل من ارتكب جرماً يتعلق بالفساد، سابقاً أو حالياً، دون حصانة للمتطاولين على المال العام، مهما كان شأنهم أو منصبهم، بدليل الحكم بالسجن مؤخراً على قاضٍ ومحامٍ، ومحافظ، وضباط وموظفين، مع عقوبات مغلظة لارتكابهم جرائم رشوة وتزوير واستغلال نفوذ وسوء استعمال إداري، وقبل ذلك أوقفت هيئة مكافحة الفساد المئات من الذين ارتكبوا مثل هذه الجرائم، مؤكدة أنها لا تسقط بالتقادم، ما اعتبره قانيون ومختصون جهوداً حكومية كبيرة للقضاء على الفساد ومحاربته. وقال مدير الإدارة القانونية بفرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة مكةالمكرمة معيض السلمي، إن الدولة ماضية قدماً وبلا هوادة في استئصال داء الفساد، مبينا أن التميز في أداء هيئة مكافحة الفساد جاء نتيجة الجهود والتعاون البناء بين القطاعات المختلفة لردع المفسدين، وللدور الفاعل للمواطنين في استشعار مسؤوليتهم الوطنية والاجتماعية تجاه هذا المرض العضال، الذي يهدد مكتسبات ومقدرات الوطن، ويؤثر سلباً على مسيرة التنمية والبناء والعطاء. وأضاف: "هذا الجهد ساهم وسيسهم في تحقيق كل الخطط والرؤى والطموحات التي ينشدها ويترقبها الوطن، وسيؤدي إلى مزيد من التقدم للمملكة في المؤشرات العالمية لمكافحة الفساد، وتحقيق الشفافية، وسيجعلنا في مقدمتها كما نطمح جميعاً، وندرك نحن المواطنون أن هذا الفساد هو أكبر عدو للعدالة والمساواة، وندرك كذلك أننا شريك حقيقي لمكافحة هذا الوباء، الذي يهدد مقوماتنا ومقدراتنا ومستقبل أبنائنا، لذا يجب علينا جميعاً أن نتكاتف مع الجهات المختصة للإبلاغ عن أي شبهة أو فساد، وأن نكون يداً واحدة في مكافحة هذا الفساد، متسلحين بحب الوطن". ولفت السلمي إلى أن استراتيجية مكافحة الفساد في الوطن هي تعزيز لقيم النزاهة من خلال خلق منظومة قانونية تحكم عملها وتراقب أداءها وتحاسب مفسديها وفق القانون بهدف حماية المال العام، ومحاربة الفساد، والقضاء عليه، وتطهير المجتمع من آثاره الخطيرة، وتبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها، وأفرادها، ومستقبل أجياله. ويرى المستشار القانوني هاني الجفري، أن بين أبرز المهمات التي تقوم بها «مكافحة الفساد»، التحرّي عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في شأن أي عقد يتبين أنه ينطوي على فساد أو أنه أبرم أو يجري تنفيذه بالمخالفة لأحكام الأنظمة واللوائح النافذة، مؤكداً أن الفساد دمار للتنمية تختلط فيه الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وله آثار سلبية متعددة، أهمها التأثير السلبي على عملية التنمية فينحرف بأهدافها ويبدد الموارد والإمكانات ويسيء توجيهها ويعوق مسيرتها، كما يضعف فاعلية وكفاية الأجهزة ويتسبب في خلق حالة من التذمر والقلق. وبين الجفري أن العقوبات التي تطال الفاسدين تختلف من متهم إلى آخر حسب الوقائع التي ارتكبها والوصف الجرمي للواقعة وجسامة الجريمة ودور كل متهم فيها، وهو ما تقرره المحكمة المختصة وتراوح ما بين السجن مدة تصل إلى 15 عاما والغرامة المالية وإعادة الأموال المختلسة أو التي تم الحصول عليها خلال الجريمة المرتكبة من تزوير أو استغلال نفوذ وظيفي أو اختلاس مال عام أو رشوة. واعتبر عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتور عبدالله المغلوث، أن ملف مكافحة الفساد يحظى بأولوية كبيرة، منوها إلى أن الحرب على الفساد لا تستثني أحدا، وفقا لشعارها "لا حصانة لفاسد"، وفقا لتأكيد سمو ولي العهد في أكثر من مناسبة. وتابع "نرى مخرجات الحرب على الفساد التي تضمنت أمراء ووزراء وضباط وقضاة، وهو تأكيد على تطبيقها على الجميع"، مؤكدا أن محاربة الفساد تعزز جودة مخرجات التنمية، وقدرة الاقتصاد على النمو وتحقيق العدالة والتنافسية. من جهته، قال رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالشرق الأوسط دكتور أنور عشقي: "الحملة على الفساد بالمملكة مبنية على خطة متكاملة لا يمكن أن تنتهي في يوم أو يومين ولكنها ماضية للقضاء على المفسدين، وذلك بالتعان الجماعي بين المسؤول والمواطنين المنوط بهم التبليغ عن حالات الفساد". في السياق ذاته، أكد المستشار القانوني سليمان حلواني، أن ماتم في هذا الملف يدل على الحزم في التعامل مع أي فئة ترتكب جرائم فساد لردع النفوس المريضة بالقوانين الموجودة سلفاً ومفعلة لمكافحة الرشوة واستغلال الوظيفة أو النفوذ، وغيرها من الجرائم التي تستحق العقاب، مبينا أن القضاء التعزيري لم يغفل جرائم المفسدين ويقوم بتغليظ العقوبات والوصول بها إلى مصادرة الأموال الناتجة عن الرشوة وجرائم الفساد والغرامات التي تقدر بملايين الريالات للقضاء على هذه الجرائم. واستطرد قائلاً: "المحاكمات الأخيرة تؤكد أن يد العدالة والحزم، وصلت إلى جهات كانت تحوطها قداسة مزيفة وهم قضاة باعوا أنفسهم وانهزموا لغرائزهم ونزواتهم، مع أنه يفترض بهم أن يكونوا قدوة لغيرهم ورمزاً ومثالاً للنزاهة والعدالة، كما طالت مسؤولين أمنيين وضباطا أدوا القسم على حفظ الأمانة ولكنهم مع الأسف خانوها واستحقوا العقاب" معتبرا أن الشفافية والكشف عن المتورطين ومكانتهم رادعة جدا لكل من تسول له نفسه بارتكاب جرائم فساد، وتدل على قوة الدولة والنظام.