تخطت المملكة أعلى درجات الشفافية في الكشف عن ملفات قضايا الفساد، متجاوزة في ذلك الكثير من الدول المتقدمة، والوصول للجناة مهما كانت درجاتهم الوظيفية ومستوياتهم الاجتماعية، لتصبح مضرب مثل في ما حققته من نجاحات في استعادة الأموال المنهوبة، محققة بذلك أعلى معدلات النمو وتكافؤ الفرص وتحقيق العدالة للجميع، مما يسهم في تنمية الاستثمار وإيجاد الفرص للجميع، بعيدا عن الطرق الملتوية لتحقيق الثراء السريع على حساب الوطن. وتتواصل الحرب على الفساد وملاحقة الفاسدين ومستمرة بتحقيق الوطن للإنجازات من خلال اسقاط كل من قابل الوطن بهدر ماله واستغلال نفوذهم لمصالحهم الشخصية، ويعتبر سلوك الفساد نتاج معتقدات خاطئة وقناعات مشوهة تحاول تبرير الجريمة لمرتكبها. ولا شك ان ثمة إرادة ترجمت الى فعل وسلوك بانه من الضروري – الى جانب محاسبة الفاسد – العمل على ألا يكون بيننا فاسد مما يحتم تضافر كل الجهود التربوية والفكرية والثقافية الى جانب الملاحقة الأمنية لتحقيق هذا الهدف. يقول رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى الدكتور فيصل الفاضل بأن العوامل المسببة للفساد متعددة كما أن للفساد صورا عديدة منها المحسوبية والمحاباة والواسطة والرشوة. مبينا بأن الفساد يؤثر سلبياً على التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال ضعف الاستثمار في الوطن وهروب الأموال واستثمارها في الخارج وتدني كفاءة الإنفاق وعدم القدرة على استقطاب الكوادر البشرية المؤهلة وقلة توفر فرص العمل وازدياد ظاهرة البطالة واستنزاف المال العام. واضاف : لمكافحة الفساد يجب علينا العمل بمنظومة متكاملة من الطرق الوقائية والعلاجية ويأتي في مقدمة الطرق الوقائية تعزيز نشر الوعي بضرورة مكافحة الفساد والحد من البيروقراطية السلبية وتعزيز الاستفادة من وسائل التقنية وتنظيم الشفافية في الإجراءات وتطوير التشريعات القائمة وخصوصاً ما يتعلق من بمكافحة الفساد. ويأتي في مقدمة الطرق العلاجية الاستمرار في ترسيخ المحاسبة والمساءلة ومعاقبة كل من يرتكب أية صورة من صور الفساد مهما كان مستواه الوظيفي. وشدد الفاضل على أهمية تحديد معالم مصطلح الفساد وأنواعه أو صوره ووضع ضوابط لذلك حتى لا يتنازع في مفهومه ولا يحدث اختلاف في درجة تجريم الفساد او قبولها لبعض أنواع الفساد ومن ثم درجة جديتها، فمفهوم الفساد من المفاهيم الواسعة الدلالة واتساع هذا المفهوم ساعد على ضبابيته وعدم وضوح محدداته. واذكر هنا تسويغ او تبرير بعض أنواع الفساد من اجل تسويقها والقبول بها كواقع دون عقوبات بغض النظر عن كون الفساد قانونيًا او غير قانوني. وعلى سبيل المثال: قاعدة الظفر، نظرية ما يخدم بخيل، الشفاعة، ووجود هذه الأنواع من الفساد يتطلب ضرورة ان تعترف بها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد وان تتخذ كافة الإجراءات بما يضمن الحد من انتشارها وتأثيرها على المجتمع والتنمية سواء من حيث التوعية او العقاب. وأضاف الفاضل بأن هذه الأنواع او الصور من الفساد كان ولا يزال وسيظل يمثل احدى المعضلات التي أفرزتها ممارسات الفساد حيث تلقى هذه الصور من الفساد الدعم من الأفراد والمنظمات والمجتمع وهو ما يجب معالجته ضمن جهود الهيئة في مكافحة الفساد. وأكد الفاضل على أهمية الإسراع بإقرار مشاريع الانظمة الموضوعية المتصلة بمكافحة الفساد. "مشروع النظام الجزائي للاعتداء على المال العام، مشروع النظام الجزائي للإثراء غير المشروع، مشروع النظام الجزائي لإساءة استعمال السلطة، مشروع نظام حماية الشهود والمبلغين" وهذه الانظمة التي تدرس منذ زمن وتنتظر الإقرار، فاذا ما تم اقرارها فإنها ستسهم في مكافحة الفساد وحماية المال العام والارتقاء بالمشاريع الحكوم ية وكيفية التعامل مع الإثراء غير المشروع وعدم إساءة استخدام السلطة وحماية الشهود والمبلغين عن الفساد. كما أكد على أهمية تمكين مؤسسات المجتمع المدني من القيام بدورها المأمول على غرار ما هو موجود في الدول المتقدمة في مكافحة الفساد كونها من أهم الشركاء في مكافحة الفساد من خلال قيامها بدور تطوير المجتمعات وتعزيز مشاركة الأفراد والمنظمات في ادارة التنمية وتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد. أتمتة ورقمنة ويؤكد الخبير التقني والمختص في أمن المعلومات ياسر الرحيلي بأن الأتمتة والرقمنة من أهم الخطوات التي تقلل من عمليات الفساد واستغلال المناصب من خلال تقليل تحكم ودور من ينوي بعملية فساد، فالأتمتة ستقلل الطبيعة الحالية للفساد وطريقته و تحجم دور وظائف معينة في تمكنها من هذا الفساد، ولكن في نفس الوقت هي تنقل القدرة على استغلال المناصب لأدوار أخرى قد تستطيع استغلال مسؤوليتها وصلاحيتها على التقنية في استغلالها للفساد والمصالح الشخصية. وأضاف الرحيلي بأن دور الأمن السيبراني والتحليل والمراقبة يبرز هنا مع الحوكمة الصحيحة للمنظمة من خلال توزيع الأدوار والصلاحيات والمسؤوليات بطريقة تخفف هذا الخطر على المنظمة، مبينا بأن الفساد يستغل مجموعة نقاط ضعف في الأنظمة، وعلاجها وهو نظام متكامل من مجموعة نقاط حماية ودفاع تتكامل ولا تعمل إلا بشكل جماعي. تنشئة مجتمعية بدورها بينت الأخصائية الاجتماعية تهاني عبد الهادي بأن التنشئة الاجتماعية هي التي من شأنها أن تحول الانسان إلى فرد اجتماعي قادر على التفاعل والاندماج بسهولة مع أفراد المجتمع .وهي عملية يكتسب الاطفال بفضلها الحكم الخلقي والضبط الذاتي اللازم لهم حتى يصبحوا أعضاء راشدين مسؤولين في مجتمعهم ، وبحسب المفهوم الاجتماعي ما هي إلا تدريب الأفراد على أدوارهم المستقبلية ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع وتَلقنهم للقيم الاجتماعية والعادات والتقاليد والعرف السائد فيه لتحقيق التوافق بين الأفراد، وبين المعايير والقوانين الاجتماعية، مما يؤدي إلى خلق نوع من التضامن والتماسك في المجتمع. وأضافت تهاني: وتسهم أطراف عديدة في عملية التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة والرفاق وغيرها. إلا أن أهمها الأسرة بلا شك، كونها المجتمع الإنساني الأول الذي يعيش فيه الطفل، والذي تنفرد في تشكيل شخصية الطفل لسنوات عديدة من حياته تعتبر حاسمة في بناء شخصيته. وهي العملية المستمرة التي تشكل الفرد منذ مولده وتعده للحياة الاجتماعية المقبلة التي سيتفاعل فيها مع الآخرين في أسرته. وهي من أهم العمليات تأثيراً على الأبناء في مختلف مراحلهم العمرية، لما لها من دور أساسي في تشكيل شخصياتهم وتكاملها، وهي تعد إحدى عمليات التعلم التي عن طريقها يكتسب الأبناء العادات والتقاليد والاتجاهات والقيم السائدة في بيئتهم الاجتماعية التي يعيشون فيها. وزادت: وتعد التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة والشباب على درجة كبيرة من الأهمية سواء بالنسبة للفرد نفسه أو بالنسبة للمجتمع ففيها يتم رسم ملامح شخصية الفرد، وتشكل عاداته واتجاهاته وقيمة وتنمو ميوله واستعداداته وتتفتح قدراته. وتتكون مهاراته وتكتسب انماطه السلوكية وخلالها ايضاً يتحدد مسار نموه العقلي والنفسي والاجتماعي والوجداني وفقاً لما تساهم به مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأسرة ودور العبادة والاندية ووسائل الإعلام ومن ثم فلكل منها أهميتها الخاصة بها كما أن النظم التعليمية تلعب أهم الادوار وأفواها تأثيرا في حياة الافراد لذا يحرص القائمون عليها والعاملون فيها على توسيع دائرة التفاعل الاجتماعي للفرد من جميع افرد النظام التعليمي وخاصة المعلمين باعتبارهم القدوة له، والنموذج السلوكي فضلا عن انه يتأثر بالمنهج الدراسي فيزداد علماً وثقافة، بالمعايير والادوار الاجتماعية وضبط النفس والتوفيق بين حاجاته وحاجات الغير وبالتالي يصبح فرداً مكتمل النمو له شخصيته المميزة التي تمكنه من ان يستمتع بحياته في توافق مع نفسه ومجتمعه ومن ثم تتحقق اهداف التنشئة الاجتماعية. كما يكتسب الطفل من خلال عملية التنشئة الاجتماعية مع اسرته وغيرها من المؤسسات الاخرى. اللغة والعادات والمعاني والمواقف والاساليب المرتبطة بأنواع التعلم واشباع الحاجات والرغبات كما ينشأ لدى الطفل في هذه العملية القدرة على توقيع ردود فعل الاخرين تجاه بعض مطالبه وسلوكه. وهكذا تكون الشخصية الإنسانية وبناء الشخصية. وتظهر اهمية عملية التنشئة الاجتماعية في المواقف الاجتماعية ويمكن الحكم على مدى اكتمالها من خلال هذه المواقف التي يعمل من خلالها الافراد بحيث يكونون جماعات ينتمون اليها ذات اهداف مرسومة وقيم اجتماعية يحترمها الافراد والعمل على بقائها واستمرارها خير ضمان لبقائهم وفي عملية التنشئة الاجتماعية يتعلم الفرد ضوابط السلوك وكفه عن الاعمال التي لا يتقبلها المجتمع وتشجيعه على ما يرضاه منها. اذن فالضبط الاجتماعي لازم لحفظ الحياة الاجتماعية وضرورة لبقاء الإنسان، ويلزم تنشئة الطفل على اساس راسخ من القدرة ومع سرعة ما يحدث من تغير اجتماعي مستمر يكاد يبلغ حد الطفرة في بعض الاحيان حيث ان هذه التنشئة هي الاداة التي يستخدمها المجتمع في تحديد الحاجات المقبولة والقدرات الفطرية لدى الطفل والتنشئة الاجتماعية هي وسيلة الاباء لان يتمثل ابناؤهم معايير ثقافتهم ومعايير توافقهم وتتحدد وسائل اشباع الأبناء لحاجتهم المختلفة وكيفية الكثير ممن حولهم ولمعاني الاشياء والمواقف والسلوك فيها يعني تشكيل المعالم الرئيسية لشخصياتهم كما تلعب دوراً اساسياً في تشكيل شخصية الفرد في المستقبل وفي تكوين الاتجاهات الاجتماعية لديه وفي ارساء دعائم شخصيته فالشخصية نتائج هذه الاساليب لذا فالدعائم الاولى للشخصية توضع في مرحله الطفولة. فالتنشئة الاجتماعية تمثل أبرز جوانب التراث الثقافي فهي تتضمن الافكار التقليدية لتشكيل افراد المجتمع وفقا للتقاليد. وختمت بالقول: بأن التنشئة اللامقصودة تلعب دورا بارزا في التنشئة ويكون هذا النمط بوسائل التربية والثقافة العامة مثل وسائل الإعلام المختلفة والمسجد، وعن طريق هذه المؤسسات ودون أن تفصح عن عملية التوجيه يكتسب الفرد العادات والقيم والمعايير وغير ذلك، وقد أصبحت برامج التواصل الاجتماعي تلعب دورا هاما في التنشئة والقدوة خصوصا للأطفال والمراهقين. وهناك أخطاء في التنشئة الاجتماعية من الممكن ان تؤدي الى مشكلات لا تحمد عقباها في الكبر ولا تلتفت لها الاسرة كتربية الاطفال على التسلط او الاهمال او التدليل او التذبذب او التفرقة او الحرمان او الحماية الزائدة او الاتكالية. ومن هذه المرحلة يبدأ الطفل بتعلم الفساد برؤيته لاحد والديه او معلميه يكذب او يرى عدم الامانة في التعامل مع الافراد المحيطين به مع بعضهم البعض او يرى تخريب الممتلكات العامة من رمي المخلفات في الشوارع او التخريب من قبل أحد اقرانه ولا يجد من ذويهم الا التشجيع على الفعل المشين او حتى عدم نهره على الفعل ذاته. صفر تلاعب وقال سمير جنيد المتخصص بتقنية المعلومات بأن أتمتة الإجراءات تعتبر أحد الحلول الجذرية لتسريع تنفيذ الإجراءات في جميع القطاعات وكذلك تضيق الخناق على الأخطاء المتوقع حدوثها أثناء تلك العمليات المتسلسلة، ولها فائدة إضافية وهي أنها ستكون سدا صعبا أمام التلاعب في الإجراءات سواءً من ناحية تحقيق مصالح شخصية أو تغيير بتسلسل الإجراء الرسمي كتقديم أو تأخير إجراء أو تعديل بيانات في جزء من مسار العملية المتسلسلة كطلبات الصرف المالية وتعديل قيمها وبياناتها. وأضاف جنيد: ولهذا بدأت حكومات الدول تعتمد وكذلك الشركات الكبيرة سواءً الخدمية منها أو التجارية المباشرة الأتمتة وذلك لأن الأتمتة في الإجراءات ستساهم بتقليل معدل الأخطاء المتوقعة وقد يصل المعدل إلى الصفر، وكذلك لتقليل إمكانية حدوث تلاعب بالبيانات وقد يكون أحد أوجه الفساد المالي أو الإداري. وأشار سمير أنه وفي ظل وجود فضاء التقنية في كل منزل عبر الهواتف الذكية والأجهزة المتصلة بشبكة الإنترنت الأخرى، أصبحت المعلومة تتسرب لكل فرد في المجتمع بمختلف الأعمار، وبفضل من الله فإن المملكة تعتبر من الدول السباقة في الشرق الأوسط باستغلال هذا الفضاء بما يعود بالإيجاب كتواجد الجهات الحكومية على شبكات التواصل الاجتماعي ونشر مقاطع توعوية واخرى تثقيفية، مما يعزز بالمعرفة حول الأخطاء التي قد تعود بشكل سلبي على الفرد والمجتمع والوطن، وكذلك هناك مبادرات فردية يقوم بها عدد من المتخصصين كلٌ في مجاله بإنشاء حسابات وقنوات توعوية تخدم معظم فئات المجتمع. واضاف بأن الجهات المعنية خصصت قنوات خاصة لكل فرد بأن يساهم بدوره في المجتمع سواءً بالتبليغ عن الشبهات التي تدل على الفساد أو جرائم الفساد البينة، وذلك بالحفاظ على سرية معلومات المبلغ دون أن يكون عليه أية تبعات بعد هذا البلاغ، مما يشكل حافزا لتنظيف المجتمع من هذا الداء الذي قد يكون أثره مستمرا لفترات طويلة ويلحق الضرر بفئة من المجتمع دون أن تعلم.