المصالح الاقتصادية المتبادلة ركيزة أساسية في علاقات الدول، وتحت هذه المظلة من التعاون المشترك تبدو خارطة واسعة من الأنشطة الاستثمارية في التجارة والإنتاج والخدمات التي تقوم بها الشركات الكبرى في العالم، وتسعى من خلالها إلى عوائد كبيرة خاصة في الدول ذات التنمية المتجددة والاقتصادات الطموحة والأسواق النشطة، والبنية الأساسية المتطورة، وبطبيعة الحال الميزة المهمة للموقع الاستراتيجي الذي يوفر الوقت وأكلاف الخدمات اللوجستية عبر منظومة النقل البحري والبحري إقليميا وعالميا. كافة هذه المقومات تتميز بها المملكة وبدرجة تنافسية عالية من الكفاءة واستمرارية التطور بسياسة حكيمة حققت فضاء رحبا من المحفزات التشريعية والتنظيمية للاستثمار لتلبية مستهدفات رؤية 2030، تجاه مستقبل التنمية الشاملة والاقتصاد المستدامين، وفي هذه المسارات تحرص المملكة بقيادتها الرشيدة على تقوية دور القطاع الخاص السعودي، وأيضا تفعيل المصالح المشتركة للاقتصاد الوطني مع الشركات العالمية عابرة الحدود ، التي تحرص على تواجدها في المملكة باعتبارها أكبر اقتصادات وأسواق المنطقة، وأحد أكبر الاقتصادات العشرين في العالم، خاصة مع انطلاق المشاريع الكبرى، واستراتيجية تطوير الرياض التي أعلنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتكون العاصمة ضمن قائمة المدن الاقتصادية الأكبر في العالم. كل هذه الميزات التنافسية تمثل قيمة حاضرة في توجهات وقرارات المملكة لتحقيق العوائد الاقتصادية المشتركة كما ينبغي، في ميزان المصالح المتبادلة في ظل الحراك التنموي والاقتصادي غير المسبوق، والذي يوفر فرصا ضخمة، فيما نصيب المملكة من المقرات الإقليمية للشركات العالمية في المنطقة نحو 5 % فقط. من هنا جاء القرار المتوازن الذي صدر الأسبوع الماضي، بشأن إيقاف تعاقد الجهات الحكومية مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة في غير المملكة، ومنح فرصة لتصحيح ذلك حتى بداية عام 2024، مع الأخذ في الاعتبار أن استثمارات الشركات العالمية غير المرتبطة بالتعاقدات الحكومية لن تتأثر بالقرار. ميزان المصالح تكمن أهمية قصر تعاقد الجهات الحكومية على الشركات العالمية التي لها مركز إقليمي في المملكة، في تطويع وجذب أعمال واستثمارات الشركات والمؤسسات الأجنبية التي لها تعاملات مع حكومة المملكة والهيئات والمؤسسات والصناديق التابعة لها أو أي من أجهزتها، وضمان أن المنتجات والخدمات الرئيسية التي يتم شراؤها من قبل الأجهزة الحكومية المختلفة تنفذ على أرض المملكة. وكما ستجني الشركات عوائد مباشرة أكبر مع وجود مقرات لها في المملكة، من المتوقع أيضا أن تسهم هذه الخطوة بعوائد للاقتصاد الوطني تتراوح بين 61 إلى 70 مليار ريال على المدى القريب من خلال الرواتب والمصروفات التشغيلية والرأسمالية لتلك الشركات، ونمو المحتوى المحلي والوظائف بقطاعات إنتاجية وخدمية كثيرة، وتعزيز حركة القطاع المصرفي في المملكة.. وعلى ضوء توازن القرار لم يكن مفاجئا أن يبدي عدد من رؤساء الشركات سعادتهم بهذه الخطوة المهمة لنمو أنشطتها مع طموح الاقتصاد السعودي ومشاريع الرؤية التي تُنجز على مدار الساعة.