أصبح التعليم الالكتروني "عن بعد"، خيارا استراتيجيا للمستقبل يتسق مع التوجه الذي تبنته رؤية 2030 في بناء الاقتصاد ومجتمع المعرفة، إذ بدت ملامح التحول من التعليم التقليدي إلى الالكتروني جلية بعد الفاعلية التي أثبتتها منصة مدرستي، ليأتي قرار المركز الوطني للتعليم الالكتروني بمنح 4 جامعات تراخيص تقديم برامج التعليم الإلكتروني، خطوة تأكيدية على خطوات التحول في المسار التعليمي. وبدت ملامح استراتيجية وزارة التعليم واضحة في تعزيز التعليم عن بعد، حيث أشار وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ في وقت سابق، أن المستقبل في هذا التوجه يعتبر كبيرا جدا، ويتم التخطيط لذلك برؤية مختلفة بمشاركة الجميع لتغيير ثقافة المجتمع تجاهه. (البلاد) سلطت الضوء على المؤشرات الايجابية لعملية التحول فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وتأثيره المباشر في توفير ميزانية التعليم، بجانب الاجتماعي والمعرفي، وإعادة هيكلة أنظمة المسارات التعليمية لتستوعب أكبر عدد من الطلاب خاصة بعد إلغاء البرامج التعليمية الموازية. جدوى اقتصادية الباحثة الاقتصادية الدكتورة نوف الغامدي، أشارت إلى أن آلية التعليم عن بعد ستوفر الموارد المالية، كونها لا تحتاج إلى مبانٍ دراسية، أو قاعات محاضرات، ولا فصول تدريس، وسيارات نقل، وبالإمكان وصولها إلى كل المناطق النائية وبسهولة. وأكدت أن الحاجة لمثل هذا التعليم أصبحت تزداد يوماً بعد يوم، خاصة أنها توفر الوقت والجهد، كما أن رأس المال البشري هو أهم أسس الاقتصاد المعرفي، ولا يكون التعليم فاعلًا ومنتجا بدون التكنولوجيا ووسائل الاتصال التي جعلت العالم قرية صغيرة. ولفتت إلى أن التعليم الجامعي الالكتروني سيوفر الكثير من الأموال المطلوبة في التشغيل والصيانة، فيما يتعلق بوسائل التعليم وقاعات المحاضرات والمباني المكلفة جدًا في التعليم التقليدي المباشر، والتي لم يعد التعليم عن بعد بحاجة إليها، مؤكدةً على ضرورة إعادة النظر في «اقتصاديات التعليم»، من خلال البحث في سبل الاستثمار الأمثل للموارد التعليمية: مالياً وبشرياً وتكنولوجياً، خصوصاً أن تجربة التعلّم عن بُعد ونجاحها أثبتت جدواها من الناحية الاقتصادية، وكشفت عن إمكانية تقديم التعليم كخدمة عن بُعد بكفاءة عالية اعتماداً على التكنولوجيا، وبكلفة أقل. وتابعت" علينا إعادة «هندسة» ميزانيات التعليم من خلال إعادة الهيكلة لمؤسساتنا التعليمية، والتي ستمكننا من استقطاب أعداد أكبر من الطلبة، نظراً لعدم الارتباط بجانب الطاقة الاستيعابية، ثانياً: إمكانية استقطاب أعضاء هيئة تدريسية من ذوي الكفاءات والخبرات العالمية المتميزة للتعليم عن بُعد، خصوصاً للمواد والتخصصات الدقيقة، دونما حاجة لاستقدامهم للتدريس داخل الدولة، ثالثاً: إعادة هيكلة الوظائف الإدارية وتوصيفها ضمن خيارات تسمح بالعمل من داخل المؤسسة أو عن بُعد، كما في الوظائف المتعلقة بالخدمات الطلابية، والتي نجح تقديمها إلكترونياً عن بُعد، رابعاً: إعادة هندسة المبنى التعليمي المدرسي أو الجامعي، بحيث يركز على الجانب التطبيقي والمهاري، ودعم بيئة الابتكار وريادة الأعمال والحياة الطلابية اللاصفية. حافز إيجابي وأشار الخبير الاقتصادي الدكتور ماجد الصويغ إلى أن المملكة تخطو خطوات عالمية في التعليم عن بعد والتي ستكون داعما للمزيد من الطلاب الراغبين في الالتحاق بالتعليم الجامعي وحافزا إيجابيا لدعم طموحاتهم وتحقيقها، فضلا عن تحسين المستوى الاقتصادي على مستوى الجامعات مما يوفر لها دخلاً إضافياً بالتوازي مع الاستيعاب الكبير لعدد الطلبة في كل فصل دراسي. وأكد أن ذلك سينعكس على انخفاض المصروفات التشغيلية للجامعات التي ستوفر الكثير منها فيما يخص الصيانة والقاعات ووسائل التعليم، ولكن سيكون هناك مصروفات جديدة خاصة بأنظمة التشغيل والحماية والأمن السيبراني من أجل حفظ وحماية المواقع الخاصة بالتعليم عن بعد إلا أنها ستكون أقل كلفة من احتياجات التعليم التقليدي. تطوير المهارات والقدرات من جانبه أكد عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم سابقاً د.أحمد عبد العزيز المسند، على أهمية التعليم الالكتروني في المرحلة الجامعية وما ستعود به من فوائد على الطلبة والجامعة على حد سواء، وقال:" لطالما وقفت المقاعد الدراسية عائقاً أمام تحقيق طموحات الكثير من الطلبة في الالتحاق بتخصصات رغبوها، والآن في ظل التعليم عن بعد بسبب الجائحة أصبح من الممكن تحقيق أحلام الطلبة فلم يعد يقتصر التعليم عن بعد على مقاعد محددة للدراسة مقارنة بالتعليم المباشر". تحسين المستوى الثقافي في السياق شددت الدكتورة نهى السيد أستاذ العلاقات العامة المساعد بجامعتي الملك عبد العزيز والأزهر الشريف، إن الانفتاح في التعليم الجامعي أتاح لكثير من الطلاب فرصاً كثيرة للتعليم من خلال الالتحاق بالتعليم الجامعي وحصولهم على مقاعد للدراسة لم تكن متاحة لهم بالتعليم التقليدي. وترى أن هذا الخيار سيفعل أكثر في السنوات القادمة خدمة للطلاب واستيعابا لعدد كبير منهم ما سينعكس بشكل أفضل على انخفاض نسب البطالة وتحسين المستوى الثقافي في البلاد. فرصة تاريخية وواقع جديد من جانبها أكدت مستشارة تأهيل وتطوير قدرات المؤسسات غير الربحية أمة المجيب الشامي، أن الانفتاح في التعليم الجامعي والتغيرات الجارية الآن سيعود بالنفع على الطلاب والجامعات، كما يمثل فرصة تاريخية يجب اغتنامها وتشجيعها، ويخلق واقعا جديدا بحيث يصبح التعليم في متناول الجميع والكثير من الطلبة الذين أعاق طريقهم الدراسي عدم توفر مقاعد للدراسة في التخصصات التي يرغبون بها، بحيث سنشهد مضاعفة لأعداد الطلبة في التعليم الجامعي. وأضافت:" تجربة جائحة كورونا والتقبل الشعبي والأكاديمي للتعليم عن بعد في ظل التقدم التكنولوجي دفع جامعات النخبة في المملكة للخوض في غمار التعليم عن بعد، والتوسع في طرح بعض برامجها عن بعد، مما سيساعدها في التحاق أعداد كبيرة من الطلبة إلى صرحها التعليمي، وستنتهي عقبة محدودية المقاعد التي وقفت عائقا أمام الكثير من الطلبة خلال السنوات الماضية". جودة المخرجات التعليمية وأكدت المتخصصة في أبحاث التسويق وسلوك المستهلك الدكتورة غادة الدريس أن التوجه للتعليم عن بعد في التعليم الجامعي سيؤثر على تحسين اقتصاد الجامعات كونه سيوفر مصروفات كثيرة، كما سيشكل دخلا إضافيا عند الاستفادة منه مثلا عن طريق طرح عدد من الشهادات التخصصية والدبلومات المدفوعة المعتمدة كما فعلت بعض الجامعات في هذه الفترة. وأضافت: "بناء على ما صرح به وزير التعليم من أن التعليم عن بعد لن يكون مقصورا على فترة كوفيد 19 وأنه ليس مجرد بديلٍ للحالات الاستثنائية، بل سيتعدى ذلك ليكون خياراً مستقبلياً، فإنه من المهم خلال هذه الفترة الاستثمار في التعليم عن بعد عن طريق تعظيم الاستفادة من توفير المصروفات وذلك بالعمل على تحسين تجربة الطالب والأستاذ والبحث عن أساليب تطويرية تعمل على رفع جودة المخرجات التعليمية. هيكلة الأسعار والخدمات الخبير الاقتصادي حسين شبكشي قال: "التعليم عن بعد سيكون تحديا كبيرا للجامعات ومنظومتها التي باتت بحاجة إلى إعادة تسعير الخدمات والرسوم لأن من غير الممكن والمعقول أن تكون أسعار الخدمات الجامعية عن بعد هي نفس الخدمات التي تقدم في التعليم المباشر للطلاب. وأكد على ضرورة إعادة هيكلة عمل الأسعار والخدمات الجامعية بناء على منظومة جديدة، أسوة بما يتم تطبيقه الآن في جامعات أميركا وأوروبا والشرق الأقصى، كما لفت إلى أن التعليم عن بعد فرض حسابات تكاليف جديدة وأرباحا جديدة مختلفة تماماً عن السابق، وأن المنظومة الجديدة التي فرضتها جائحة كورونا وما بعدها ستكون مختلفة عن ما قبلها.