يجلس صديقي القديم على حافة عتبة داره.. ويطلق أقدامه للهواء، كما اعتاد أن يفعل على سور مدرستنا القديمة مشرعاً سيجارته نكاية بالمدرسين. حافة السور كحافة العتبة.. تطل عليه ما يكفي من الأحلام والذكريات الجميلة.. رهانات عمره الخاسرة، والعقد الذي نهضت من بقعته السوداء..لم تعد كما كانت سابقا.. صديقي القديم كمدن آفلة و مقيدة بالحافة...في حياته رجال قادمون جاهلون ..ونساء راحلات معتوهات ..مررن ذات يوم على أعصابه المتعبة. صديقي القديم.. تطاردني ملامحه أينما أدرت وجهي.. فقد كان طويل القامة ..صاحب وجه مبتسم .. يكره الوجوه العابسة..بل يتشاءم منها.. يعشق السفرجل..ويداوم على إحضاره إلى بيته حتى الآن... طعم السفرجل حالة جنون تلازمه.. حالة خاصة جدا ..لأنه يتكور مثلها ..في وقوفه وجلوسه.. فعندما صار بمقدور صديقي القديم أن يروي عن حياته الماضية أدرك أن الشيب اعتراه.. وأن الزمن يتدفق بما نرويه! "كأننا نعيش لنروي". لم يشعر كذلك هذا الصديق من قبل انه تقدم في السن..كما انه لم يلمح في المرآة ان شعر رأسه ظهرت بين خصلاته شيب كثيف دائما أجده يقترب ليلقي برأسه على كتفي ويهمس في آذني ما يجول بخاطره ..لكن هذه المرة كانت خواطره تدل على جرح وآلم في داخله.. فيما يقول : منذ أكثر من أسبوعين وأنا أحاول تفسير هذا الشيب اللعين في راسي ولا اُفلح.. وبمعنى أدق لا أصل الى معرفة وجوده برغم إنني صغير السن .. فأنت في عمري يا سامي ..ولم يستعمر الشيب راسك..الغريب في ذلك أنني هادي ومرح وضحوك ..وليس شخص انفعالي ..والصعوبة في تفسيري لهذا الشيب.. ليس لعجز عن معرفة ظهوره ...ولكن كيف يأتي هكذا بدون مسببات ؟ اعلم يا صديقي .. يا صاحب السفرجل ربما جاء إليك هذا الشيب من اللهث خلف متطلبات حياتنا اليومية .. ثمة أخطاء في حياتنا نمارسها في عدم راحة النفس والبدن ..المهم ان نؤمن أسرتنا بالمال والحاجيات وذلك على حساب صحتنا ..هناك أناس ساروا على نفس هذه الطريقة .. وقد أسكنهم الموت داخل حفره او على حافة قبر .. ان لم نداري على صحتنا فأننا سوف نفقد رعاية تلك الأسرة ..ونلصق بهم كلمة أيتام في عمر الزهور ..ويا أمان الخائفين. [email protected]