مرَ عام من التحول الاجتماعي منذ أن بدأت المرأة تقود السيارة في المملكة العربية السعودية. وكنت ولا أزال أؤمن إيمانا قاطعا بأن السماح للمرأة بقيادة السيارة يرمز الى أكثر من جلوسها على مقعد السيارة ويعني (المساهمة الإيجابية في) قيادة الوطن والمجتمع والاقتصاد إلى آفاق أعظم وأرحب. كانت روح الاحتفال بتنفيذ الأمر السامي رقم 905 وتاريخ 6 /1/ 1439 الذي سمح للمرأة بقيادة السيارة اعتبارا من 24 يونيو(حزيران) عام 2018 سائدة في مختلف مدن المملكة. فكان يوما تاريخيا مشهودا, واضفى دعم وترحيب أولياء الأمور بجانب زوجاتهم وكريماتهم وأخواتهم بالإضافة إلى توزيع رجال المرور للورود الكثير من الفرحة والسرور وكانت تفعيلا للمجتمع الحيوي الذي يوفر للجميع حياة كريمة وسعيدة وفق رؤية 2030 كأساس قوي للازدهار ولعل أكثر تجربة تأثيرا لي على مستوى شخصي عندما قدت سيارتي إلى مقر عملي في مجلس الشورى بالرياض مع بعض زميلاتي من المجلس من مختلف مناطق المملكة إلى الرياض وعبرنا (خلال بوابات مجلس الشورى التي يقوم عليها رجال الحرس الملكي الأكفاء بعملهم وتعاملهم) بعد أن فحصوا أوراقنا الثبوتية. كانت تلك اللحظة تدعو للفخر والاعتزاز. لقد كان ذلك اليوم مختلفا عن كل الأيام التي ذهبت فيها إلى مجلس الشورى.والذي لم يكن بعيدا عن تصويتنا لنظام مكافحة التحرش لحماية المرأة والطفل وذوي الإعاقة وجميع فئات المجتمع من أي مريض تسول له نفسه المساس بأمن كل من يعيش على أرض هذا الوطن. ولا يفوتني أن أذكر هنا أنه رغم أن العام الماضي كان عاما لتمكين المرأة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ألا أنني ما زلت أتطلع لمزيد من الرقي لسلوكياتنا المرورية من إخواننا السائقين فمنهم من يغير مساره فجأة بدون أن يعطي إشارة بذلك مما يعتبر مخالفة مرورية صريحة تتراوح غرامتها من 150 الى 300 ريال هذا بالطبع بخلاف السائقين المستهترين في الميادين أو في الملفات في الطرق السريعة. أتمنى أن تعكس أخلاقنا على شوارعنا فتنعكس قيم الاحترام والصبر والحلم والاحسان.مثلما يعكس الرياضيون أخلاقهم الحقيقية في المنافسات الرياضية. ومع هذا فإن نسب الوفيات والاصابات الناجمة عن الحوادث المرورية في (المملكة) قد انخفضت بنسبة 33٪ والإصابات بنسبة 25٪ في عام 2018م. ولا شك أبدا أن وجود السائقة على الطرقات قد جعلت السائقين الرجال أكثر حرصا بطريقتهم في القيادة ومع الوقت سيكون التحسن أكبر والتغير إيجابيا إن شاء الله. فقد أثبتت الدراسات والإحصائيات أن النساء أكثر أمانا في القيادة لهذا قامت عدد من شركات التأمين بعمل تخفيضات كبيرة على وثائق التأمين الخاصة بالنساء بنحو (13%) كما يقول الموقع البريطاني المتخصص confused.com وفي هذا الصدد تقول صحيفة الفاينانشل تايمز البريطانية إن نسبة مخالفات السائقين الرجال أكثر من النساء بنحو 4 الى 1 خاصة في السرعة الجنونية, وعدم الاهتمام وعدم وجود استمارة للسيارة. لقد انقضى العام الأول من قيادة المرأة (بسلاسة) وجمال أكثر مما كان يتوقعه الكثيرون. و تجاوزنا هاجس قيادة المراة فلم تزد نسبة الحوادث المرورية ولم ترصد أية ظواهر لتحرشات مرورية فقد أثبت شبابنا السعودي رفعة أخلاقهم وبناتنا ثمار تربيتهم بشكل عام. وبالنظر إلى ما حققته المرأة على المستوى الدولي فأقول بكل ثقة إننا قد قطعنا أشواطا كبيرة منذ الزمن الذي كانت فيه المرأة محرومة من حق التعليم وحق العمل وحق الملكية وحق التصويت. اليوم (بفضل حكمة قرارات حكومتنا ومن ثم عزيمة نسائا) حطمت المرأة السعودية السقف الزجاجي وبدأت تشغل وظائف لم تكن متاحة منها في الماضي القريب مثل العمل كبائعات في أقسام الملابس النسائية وأمينات صندوق (كاشيرات) ومسؤولات في الجهات الأمنية. وأصبحت المرأة السعودية اليوم تشغل مناصب قيادية كمديرات للجامعات، ورؤساء تنفيذيين، ومديرات شركات مالية، وبرلمانيات وسيدات بمراتب وزارية ناهيك عن سفيرتنا في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تمثل المملكة في أقوى اقتصاد عالمي. واليوم فإن المرأة السعودية هي التي تقود عملية التغيير جنبا إلى جنب مع شقيقها الرجل (ليس) كتحدٍ مثلما قد يظنه البعض وإنما كتوازن وتكامل بين الجنسين. وعندما أنظر إلى الخلف إلى قبل تاريخ 24 يونيو 2018، فأنا أعتبر هذا الماضي تاريخا سأقصه بالتفصيل لبناتي وأخبرهن عن أنه مر علينا زمن لم يكن مسموحا فيه للمرأة بقيادة السيارة. وصحيح أننا لم نحصل على رخصة القيادة السعودية عندما بلغنا الثامنة عشرة من العمر لكن هناك ما يميزنا فعلا فنحن الجيل المخضرم الذي عاش هاتين الحقبتين والذي يجعلنا أكثر من غيرنا نقدر هذا القرار ونستشعره في كل يوم وفي كل مشوار. وبعد أن جلسنا خلف مقود السيارة، فإننا نتطلع إلى المساهمة في طموحات قيادة وطننا نحو التنمية وتحقيق الأهداف الوطنية قبل أن نصل إلى محطتنا الأولى في عام 2030. في السيارات التي نقودها ليس فيها اختيار للرجوع.