تشهد المملكة العربية السعودية نهضة تنموية شاملة عمت كافة أرجائها ، وينتج عن هذه النهضة تغير واضح وشامل في الأوضاع الاقتصادية والنمط الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين ، ومن ابرز هذه التغيرات الحركة الكثيفة والمتزايدة في التعاملات التجارية بصفة عامة والعقارية منها بوجه خاص ، فكثر التعامل بالعقارات من أراضي ومبان ، وصاحب ذلك كثير من المشكلات الناتجة عن قصور في اثبات الملكيات ومعرفة حدودها الحقيقية والدقيقة ، مما أدى إلى التعدي على أملاك الغير ، كما ظهرت كثير من الصعوبات التي لم تستطع الجهات المعنية حل معظمها لعدم وجود نظام مُحْكَم للتسجيل العقاري تُحفظ به الحقوق ، وتُحمى به الملكيات الخاصة والعامة . ولما كانت الثروة العقارية ذات أهمية كبرى في اقتصاد كل بلد ، ليس فقط لقيمتها المادية ولكن لأنها العنصر المهم والرئيسي في دعم البناء الاجتماعي والاقتصادي وقاطرة تطويره . لذا حرصت غالبية الدول من أجل حفظ الحقوق وتحقيق الأمن والاستقرار العقاري إلى الأخذ بنظام التسجيل العيني للعقار باعتباره النظام الأحدث والأمثل لبلوغ هذا الهدف . وامتداداً للسعي الجاد والحثيث في سنّ الأنظمة التي تعود بالنفع والخير للفرد والمجتمع وتوضيح الحقوق للكافة والتوثيق الدقيق للعقارات ، فقد كان من الطبيعي أن لا تتخلف المملكة عن الركب وأن تتطلع إلى مسايرة التطور الحضاري ، واتباع أحدث الأساليب للتسجيل العقاري وتوثيقه. ونظراً لأن مبدأ القوة الثبوتية المطلقة الذي يقضى بأنه إذا اكتسب شخص الملكية أو أي أحد على عقار تأسيساً على القيود والتأشيرات في السجل العقاري فإن هذه القيود تعتبر دليلا على مشروعية حقه في مواجهة الغير . إضافة إلى جميع التصرفات أو الاتفاقات أو الوقائع المادية أو الانتفاع والارتفاق أو التبعية كحق الرهن العقاري أو نقله أو تغييره . فإنها تظهر أهمية تطوير وتفعيل نظام التسجيل العيني للعقار بالمملكة العربية السعودية على وجه السرعة . ولأن من أهم مزايا نظام التسجيل العيني وآثاره الايجابية المسح الفني الدقيق للعقارات وتحديد مساحاتها وضبط حدودها وأبعادها واحداثياتها بما يؤدي إلى معرفة مواقعها الأصلية ولو زالت معالمها الوقتية الأمر الذي يقضي على تداخلات الأراضي والصكوك والمنازعات التي تنشأ حولها ، وتُحدد الحالة الشرعية لكل عقار ببيان ملكيته وما يقع عليه من حقوق والتزامات وأصحاب هذه الحقوق ومن تقررت لصالحهم تلك الالتزامات ومختلف التصرفات الأخرى التي ترتبط بصحيفة هذا العقار ، بحيث يتيح للمتعاملين عليه معرفة الواقع الفعلي والمادي له ويبين التصرفات والحقوق والقيود الواردة عليه وكل ما من شأنه تبديل أو تعديل أو تغيير أو إنشاء الحقوق المختلفة الجارية عليه ، ويحقق ذلك مصلحة الملاك وأصحاب الحقوق العقارية في حماية حقوقهم والاحتجاج بها فيما بين المتعاقدين وفي مواجهة الغير ، وبذلك تتوافر الحماية للمتعاملين على العقارات والاستقرار المنشود للملكية والأمن العقاري ، بما يتيح للملكية العقارية استثماراً مثمراً يعود بالنفع العام على اقتصاد الوطن في جوَّ من الثقة والطمأنينة ، وتنتهي النزاعات والخصومات المتعلقة بالحقوق والملكيات وتعدد صكوك العقارات المعٌطِلة للاستثمار العقاري وحل مشكلة الاسكان ويخف عن القضاء عبء النظر في قضاياها . ويجري تطبيق نظام التسجيل العيني للعقار في المملكة في عدة مناطق عقارية في محافظة حريملاء ومحافظة جده ومدن الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة . والواقع أن تجربة تطبيق هذا النظام في المملكة تمضي ببطء ملحوظ ، ولم تنطلق بالسرعة المنشودة لوجود بعض المعوقات ولأسباب مختلفة . وحيث قد تبنت المملكة العربية السعودية ” رؤية المملكة 2030 ” لتكون منهجاً وخارطة طريق للعمل الاقتصادي والتنموي ، وقد رسمت الرؤية التوجيهات العامة للمملكة ، والأهداف والالتزامات الخاصة بها ليكون الوطن نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة ، واطلعت المملكة برنامج التحول الوطني كأحد البرامج الرئيسية لتحقيق رؤية المملكة 2030 ومن ضمن الأهداف الاستراتيجية دعم برامج التحول الرقمي بالإضافة إلى أتممه الإجراءات وتعزيز منظومة والأمن العقاري ، و بالنظر إلى أن التسجيل العقاري يعد أحد أهم الجوانب التي تقاس عليها كفاءة الأنظمة الحكومية من قبل البنك الدولي حيث يدخل هذا الجانب ضمن تسهيل ممارسة الأعمال كما أن تعزيز منظومة التوثيق يعتبر من العوامل الجاذبة لقطاع الأعمال . فقد صار الانطلاق نحو آفاق رحبة لتفعيل النظام في خدمة اقتصاد وطننا الغالي وتماشياً مع إطلاق برامج تحقيق رؤية المملكة 2030 بما يحقق التطلعات في ممارسة أجهزة الدولة لمهامها واختصاصاتها على أكمل وجه وبما يؤدي إلى ارتقاء مستوى الخدمات المقدمة للمواطن والمستثمر والمقيم وصولاً إلى مستقبل زاهر وتنمية مستدامة بتحقيق التميز في العقار واستثماره . ومن هذا المنطلق فإن رؤية تطوير نظام التسجيل العيني للعقار وتفعيل تطبيقه على العقارات في المملكة العربية السعودية يقوم على ضرورة اسناد مشروع التسجيل العيني إلى جهة واحدة مالكة للمشروع تتمتع بالخبرات الكافية في المجال العقاري ويتوفر لها الميزانية الملائمة والامكانات المادية والبشرية اللازمة للتنفيذ وصلاحية الاستعانة بالقطاع الخاص خاصة في الأعمال الفنية المساحية بالتنسيق مع الأمانات لحصر وتحديد الوحدات العقارية وإعداد الخرائط وتقنية المعلومات وفق خطة استراتيجية شاملة يتم تنفيذها من خلال برامج تنفيذية محدودة المدد الزمنية لتطبيق النظام في كافة مناطق المملكة علماً أن هناك خطة مرسومة مسبقاً مع خارطة لتطبيق وتفعيل نظام التسجيل العيني للعقار في جميع مناطق المملكة في مدة محددة من ثلاث إلى ست سنوات قابلة للتنفيذ . كما يلزم لتطوير النظام وتفعيله إدخال تعديلات جوهرية على مواد النظام ولائحته التنفيذية والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بإتاحة بيانات الملكية لديها للهيئة مالكة المشروع . وإعادة النظر في قيمة المقابل المالي لأعمال التسجيل العيني مع تنفيذ نظام الكتروني خاص بنظام التسجيل العيني للعقار يحقق الربط الآلي بين الجهات ذات العلاقة وأذرع تنفيذ إجراءات وأعمال القيد التابعة للهيئة مالكة المشروع .