تحتفظ الذاكرة اليمنية بتواريخ هامة، كانت شاهدة على أحداث فاصلة شهدتها اليمن، يأتي تاريخ ذكرى «عاصفة الحزم» كآخرها زمناً، وأهمها سبباً ونتيجة. كانت ساعات ما قبل العاصفة الأشد وطئاً في التاريخ اليمني الحديث، وأثقلها في ميزان البقاء لليمن أو سقوطها، توجست معها قلوب اليمنيين، وارتفعت أياديهم إلى السماء مخافة السقوط الذي لن تكون له نهاية عاجلة، إن شاءت الأقدار حدوثه. أربعة أعوام من العاصفة تحقق فيها الكثير من المكاسب الميدانية، وانقلبت خلالها ميازين القوى، فبعد أن كانت المليشيات الحوثية تحتل بقوة السلاح جُل مناطق اليمن، من صعدة شمالاً حتى عدن جنوباً، أصبحت تُصارع أجلها القريب المحتوم، بعد تحرير أغلب المناطق من احتلالها. صنعت عاصفة الحزم تاريخاً جديداً في المنطقة، وجسّدت رسالة كان صداها كبير، ومفادها عميق، وهي (أن أمن واستقرار وسلامة المنطقة مسألة لا يمكن التهاون حيالها، ولا المساس بها، ولا يمكن التغاضي عن تعريض إحدى دول المنطقة «اليمن» لمخاطر السقوط في وضع «اللادولة»)، لذلك كانت استجابة قيادة المملكة لطلب الرئيس هادي ترجمة لهذه السياسة. لم تقتصر مكاسب العاصفة فقط على تحقيق انتصارات عسكرية مكّنت عودة الشرعية، بل تضاعفت مكاسبها كمّاً وكيفاً ومكاناً، فتحقق بفضلها مكاسب سياسية أعادت رسم المشهد السياسي في المنطقة لصالح المشروع العربي، في مواجهة المشروع الإيراني الذي تُغذيه أطماع التمدد، وأوهام الولي الفقيه. منذُ بداية نشوئهم، كان الحوثيون أدوات لتنفيذ مخطط إيران في المنطقة، كانت أهداف إيران ترتكز على الوصول إلى البحر العربي، وإلى أهم الموانئ هناك «ميناء عدن»، وإلى المضيق المائي الاستراتيجي «باب المندب»، ومن ثم السيطرة على خطوط الملاحة البحرية، وتهديد الحركة الملاحية فيها، بما يتناسب مع أطماعها التي تُغذيها بإحياء الصراعات، وإذكاء الفتن، وإشعال الحروب في دول المنطقة، وكان لعاصفة الحزم الفضل في إفشال هذا المخطط. «عدن خط أحمر» هكذا وعد ولي العهد محمد بن سلمان، وعداً يعكس القدرة على تحقيق مضمونه، وكان لوعده هذا ما بعده، وهو «انطلاق العاصفة» تلبية لطلب الشرعية اليمنية، وسيكون للعاصفة ما بعدها لضمان أمن وسلامة المنطقة. خيار اليمنيين حكومة وشعباً «السلام»، وهو أيضاً خيار تحالف دعم الشرعية، لكن السلام لا يتحقق بوجود مليشيا تستقوي بالسلاح، وتحتل عاصمة الدولة، لذلك لن تنتهي الحرب حتى ينتهي سببها ويزول وهو «الانقلاب»، هكذا تقول إرادة اليمنيين، يستمدوا عزمهم هذا من الرغبة في الخلاص من المليشيا، ومن دعم الأشقاء في التحالف الذين لم يبخلوا بالمال، والسلاح، وحتى بالرجال في سبيل نصرة الشرعية واستردادها.