قرأت مقالا في صحيفة البلاد عدد 19144 كتبه الاعلامي الغيور والناقد الاجتماعي البصير الأستاذ سلمان بن محمد العمري سلمه الله، وقد لفت انتباهي صراحته الصادقة لأنه وضع النقاط على الحروف حين طلب الاستفادة من خبرات ذوي الكفاءات في الجامعات.. لقد ذب عن حقيقة العلم وحوزته فصور الخطر تصويرا دقيقا حيث ذكر رجلا من العلماء وصفه بأنه شخصية وطنية اكاديمية عالية تبوأت منصبا مهما في الدولة وشغل حقيبة وزارية تعنى بشريحة غالية في وطننا وهو من المبدعين في فنه وتخصصه وله مؤلفات الخ ثم عقب على ذلك بأن جامعاتنا لم تستفد منه ومن امثاله مع الأسف وذكر واحدا منهم لم يسمه قد قرأ مقاله قائلا له: "يا أبا ريان لقد وضعت يدك على الجرح ولامست الألم والمعاناة.. والباحث كالسمك الذي لا يعيش الا في الماء". ثم ذكر الأستاذ العمري صورة اخرى اشد مرارة فقال: قال اخر: حينما تبوأت منصبا حكوميا كانت الاتصالات تنهال علي من الأقسام العلمية في الجامعات تطلب مني المناقشات في الرسائل العلمية الماجستير والدكتوراه الخ، والآن انقطع الاتصال حينما خرجت من بوابة المكتب وانقطع التواصل مع الجامعات.. واستثنى بعض الزملاء في اتصالاتهم الشخصية. أقول: العالم هو العالم، وصاحب الخبرة يبقى صاحب خبرة وتجربة قبل المنصب الحكومي وبعده ولكن ذهبت أخلاق الناس حينما تبوأ منصبا اتوه من كل اوب، وجاؤوه من كل فج عميق، ونسلوا اليه من كل حدب سحيق وسلكوا اليه من كل ريع وطريق وحينما غادر منصبه صدفوا عنه، وتنكروا له، وثني الدهر عنه عطفه وهجروه هجرا وهجرا وهجرانا وقلبوا له ظهر المجن. ما هكذا يا سعد تورد الإبل! وأجب المسؤولين في الجامعات ومن بيدهم ازمة الأمور ان يتحلوا بتصحيح النية وسلامة الطوية ويتحتم على المسؤول الذي وثقت به الدولة، وقلدته الأمر ان يكون مأمون الضمير، غائبه مثل شاهده، وعقله ملازم لسانه ان تقلد عملا سواه، وإن وجد مواتا احياه، وإن صادف ميلا قومه، وعليه ان يقوم بهذا الأمر اتم قيام بعيدا عن المصالح الشخصية، والاغراض المادية، وأن يعط القوس باريها، ويضع الأمور في نصابها، وبذلك يرضي ضميره، ويسكن فؤاده، وترتفع القضية التعليمية، وترقى الجامعات الى اعلى المستويات وتتبوأ المكانة العالية. قال الغيور ابو ريان بصدق كلمة - وحسن طوية - يا جامعاتنا هؤلاء النخبة والقدرات العلمية من ابناء الوطن وغيرهم من الكفاءات الموجودين في المملكة ممن خدموا الجامعات في بلادنا وكانت لهم نشاطات علمية طيبة ومؤلفات هم احق بالفائدة منهم، وخصوصا لهم خبرة كبيرة. لقد بلغ في النصيحة غاية لا متجاوز وراءها لمجتهد واعطى الحل الناجح بفكر ملهم ورأي سديد وبأسلوب فصيح يريد لجامعاتنا ان تسمو ، وترقى الى ذرى العلياء. وإن المرء ليعجب لما تحدثنا به كتب التاريخ عن علماء مسلمين يرحلون من بلد الى بلد متحملين المشاق، ويكابدون الصعاب ليتصلوا بأهل الكفاءة والاختصاص وصولا للفائدة المبتغاة، والطلب المنشود، لا يطمحون من وراء ذلك الى جاه او جمع مال. واذكر على ذلك شاهدين من آلاف الشواهد: 1 - خرج الصحابي الجليل ابو ايوب الانصاري من المدينةالمنورة الى الصحابي الجليل عقبة بن عامر وهو بمصر ليتثبت من حديث سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم: لم يبق احد سمعه غيره وغير عقبة بن عامر. 2 - قال التابع النبيل هشيم بن بشير: كنت اكون بأحد المصرين "اي الكوفة والبصرة وبينهما مسافة تزيد عن 350 كيلومترا" فيبلغني ان بالمصر الاخر حديثا فأرحل فيه حتى اسمعه واجرع. لاحظ - يا أخي - كيف رحل الى اهل الاختصاص ليؤخذ العلم عنهم والآن اصبح الناس يتجاهلون اهل الاختصاص وذوي الكفاءات العالية رغبة عن العلم وطمعا في المال من غير وجه صحيح. ثم قال "ابو ريان" والمصلحة الأولى قبل ذلك في ان تفتح لهم الجامعات اذرعها وتستفيد منخبراتهم في تدريب طلاب الدراسات العليا واسهامهم في المناقشات العلمية الى اخر ما قال. أقول: هذا شأن الكاتب المصلح الذي يريد لديار الاسلام وأمته السوو والرفعة والاقدار الشريفة ثم ختم الكاتب مقاله بقوله: دعوا عنكم المصالح الشخصية والاهواء وتصفية الحسابات التي ابتليت بها كثير من المؤسسات الحكومية والخاصة. اقول: نصيحة غيور، ونفثات مكلوم، يخاطب فئة ذهبت نياتهم ومرضت اهواؤهم واتصفوا بالزهو والكبر والعجب وشكيت اخلاقهم وكذبت ظنونهم واشتد صلفهم ورفعوا انفسهم فوق قدرهم وعاقبة ذلك الندم والحسرة والتأخر عن ركب الحضارات والجامعات، وعلى كل لا يرفع العلم والعلماء ولا ترتفع الجامعات والمؤسسات العلمية الا بالصراحة والمواجهة. خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "حتى متى ترعون عن ذكر الفاجر؟ هتكوه حتى يحذره الناس" رواه الطبراني بإسناد حسن. فبارك الله فيك وبك يا ابا ريان في مقالاتك الكاشفة، وكلماتك الصريحة - والمجتمعات لا ترتفع الا بذلك - في اولها واخرها وفاتحتها وخاتمتها وسدد على طريق النصح خطاك وسيسعدون ويحمونك اذا آلت الأمور الى نصابها ورجعت الى محصولها. أ. د. محوود بن يوسف فجال