يقولون إن أيام الطفولة ذكرياتها جميلة .. صحيح ولكن لماذا ؟؟ !! .. عدت من الكتاب ( بضم الكاف وتشديد التاء) حيث كان بمثابة الروضة آن ذاك .. ودخلت منزلنا في حارة الاشراف ووجدت والدتي رحمها الله في استقبالي وعيناها متورمتان من البكاء .. قبلتها وحاولت أن اعرف السبب ..ولكن هيهات .. كانت تحاول ان تخفي شيئا ما عني .. ولكن نظرها كان زائغا متنقلا في أرجاء المجلس (الصالون) وحاولت جاهدا معرفة ماذا يدور في خلدها وأحاسيسها ومشاعرها .. وبعد إلحاح شديد.. قالت لي أمي .. لقد اضطررنا لبيع المفرشة الصوف الكبيرة .. لان أباك ترك العمل ولم يعد لدينا مورد للأكل والشرب والدواء وحضنتها ولفتني بذراعيها ..وبكيت معها بحرقة شديدة لبكائها .. ولكنني لم ادرك حجم المصيبة التي حلت بنا .. وماهي إلا دقائق حتي عدت لألعب بالمدوان المصنوع من الدوم ..ونسيت أن والدي ترك عمله وباع المفرشة وان امي تبكي حزنا على ما آلت إليه أحوالنا .. كان الماضي جميلا لانه بدون مسؤوليات والحاضر يصبح احلى لو كان بدون مسؤوليات ايضا .. ولكن .. عزيزي القارئ ..عندما كبرت ادركت ان الحياة مسؤولية .. والمسؤولية هي مجموعة الاعمال والنشاطات والادوار الواجبة على الانسان ان يؤديها خلال رحلة حياته ..والمسؤولية ليست فقط لقمة العيش .. بل هي رعاية الاسرة والابناء .. وتعليمهم ..ومتابعتهم ..وتلبية احتياجاتهم ..وتوفير السكن الملائم لهم ورعايتهم صحيا ..وزرع الوازع الديني والاخلاقي في قلوبهم وعقولهم .. والمسؤولية لا تقتصر علي رعاية الاسرة فقط ..بل هي الانخراط في الواجبات الاجتماعية لخدمة الوطن وتنميته وتطويره وحمايته .. الا ان الحياة العصرية اضافت مسؤليات اخري متعددة وملحة خرجت بنا عن نطاق الاسرة والمجتمع والوطن ..وذهبت الي خارج الحدود .. فنحن كأفراد مسؤولين عن البيئة ونظافتها ..ومسؤولين عن حقوق الانسان .. والمساهمة في الاقتصاد الكوني والتقدم والتطور في النظام الصحي العالمي .. والمساهمة في حل قضايا فقر ومجاعة الامم .. وترشيد استهلاك الموارد المتاحة .. ومحو الامية التقنية .. بل ذهبت مسؤليتنا الي ابعد من ذلك بكثير إلى جعل كل سكان كوكب الارض من السعداء .. ولكن السؤال الملح الذي يطرح نفسه علينا بقوة.. هل المستقبل وبكل ادوات العصر المتطورة سيلقي علينا بمسؤوليات وتحديات اكبر واصعب مما نحن فيه الان ام ان التكنولوجيا وتطبيقاتها هي بداية لاسعاد البشرية وجعل الحياة دون مسؤوليات تشقينا ..!!؟؟ انها المسؤلية هي التي تبكينا .. !!! وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا مرتبط